للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تقاطرت على (إلياس) جموع الزوار من كل حدب. . . فكان يتلقى كل واحد منهم بالترحيب والتكريم، وينحر لهم الخراف ويهيئ لهم موائد حافلة باللذيذ الفخر من الطعام والشراب ويقدم له ما راق لهم من (الكميس) والشاي. . .

كان لإلياس ولدان وبنات زوجهم جميعاً. . . وحينما كان في أيام فقره وعسره كان هؤلاء الأبناء عوناً لأبيهم في رعاية قطعانه وحتى إذا ما زخرت خزائنه بالمال سرت إلى نفوسهم عوامل الفساد والتلف. فأقبل واحد منهم على الخمر يعب كؤوسها حتى يضل منه الوعي ويحمل مخمورا إلى داره. ولم يلبث أن قتل في عراك بين أبناء الحي من ذوي النفوس الشريرة.

أما الآخر فقد تزوج بامرأة رقيعة خرقاء، جعلت تسعى بالباطل بين الولد وأبيه حتى أوغرت نفسيهما وأضغنت قلبيهما. فافترقا بعد أن تخلى (إلياس) لأبنه عن جواد وقطيع من الغنم

لم ينقض حين على ذلك حتى تفشى المرض بين الماشية، فأورد كثيرا منها مورد الهلاك والفناء. . . وساء الحصاد في هذا العام ولم تأت الأرض إلا باليسير. . . فحصد الموت بعض ما تبقى من الجوع. ثم أغارت قبائل (القرغيز) على أملاك (إلياس) فاستحوذت على البقية الباقية من حيواناته. . .

وبين ليلة وضحاها أصبح إلياس، فإذا بأمواله قد عبثت بها يد الزمان، وأدبرت عنه الدنيا وهي ساخرة في حين ضعف فيه جسده ووهنت قواه. . . فباع أثاث داره ثم لم يلبث أن باعها هي الأخرى.

وبات هو وزوجته - وكانت تدعى (شام شماجي) - على الطوى وليس لهما من موئل يأويان إليه، فقد رحل ولدهما وزوجته عن البلدة، وماتت ابنتهما منذ زمن بعيد. فلم يجد الزوجان إلى جانبهما في خريف العمر من يسعى عليهما بالقوت. . .

وكان لهما جار يدعى (محمد شاه) ليس بالغني وليس بالفقير بل يحيا حياة ذات رخاء ويسر. . . فعطف عليهما ورحم كبرهما إذ كان ذا قلب يفيض بالحب وعروق تنبض بالرحمة. فطاف بعقله ما كان عيه (إلياس) من كرم وجود. فقال له: -

تعال وأقم معي يا إلياس أنت وزوجك العجوز. . . وما عليك سوى أن تفلح حديقة البطيخ

<<  <  ج:
ص:  >  >>