فرانت الدهشة والعجب على وجوه الأضياف وكذلك صاحب الدار الذي قام فحسر الستار عن مكان المرأة العجوز وهي جالسة، وقد عقدت يديها على صدرها وراحت تتبسم لزوجها فابتسم هو الآخر لها.
وبعد أن مضت برهة من الصمت تعلقت فيها الأنفاس عادت تقول في صوتا الهادئ:(غني لا أحدثكم بغير الحقيقة. . . وما في قولي من مبالغة بل هو الحق الخالص. . . لقد أبلينا ربع قرن من الزمن ونحن نسعى إلى السعادة. . . وعلى قدر ما كنا أغنياء كانت محرمة علينا. أما الآن وقد صرنا أجيرين لا نملك من متاع الدنيا شيئاً أحسسنا بالسعادة التي لا نود بديلاً منها. . .)
فقال لها ذلك الضيف متسائلاً:(بالله خبرينا ما هذه السعادة التي تشملك أنت وزوجك في إعسار كما بعد اليسر وادبار الدنيا عنكما بعد إقبالها عليكما؟!)
- (أصبت!. حينما كنا أغنياء كان لدينا من المشاغل ما يصرفنا عن إئتناس الزوج بزوجته وتآلف روحينا. وعبادة الله عز وجل. . . لقد كان الناس يفدون علينا فنسهر على خدمتهم وتوفير ما يثلج قلوبهم خشية أن تتناولنا ألسنتهم بالسوء ويتحدثون عنا بما نكره. . . فإذا ما رحلوا كان علينا أن نراقب عمالنا ومن يقومون على خدمتنا حتى لا تنزع بهم دوافع الشر إلى خيانتنا فيما نعهد به إليهم. . .
كما أننا كنا نحاول أن ننقص أجورهم ونفيد منهم أكثر مما نستحق. فارتكبنا الخطيئة الأولى.
ثم إننا كنا - إذا ما جن الليل - نبيت ونحن أيقاظ خشية أن تفترس الذئاب الوحوش بعض الأغنام أو يعمد فريق من اللصوص إلى سرقتها في غفلة من حراسها. وننهض بين حين وآخر لنطمئن عليها. . . وغير ذلك مما كان ينشأ من المشاكل، ثم أضف إلى ذلك ما كان ينشب بيني وبين زوجي من شجار ونزاع. . . فهو يريد شيئاً وأنا أود ما هو ضده فنخطئ ثانية. . .
وهكذا كنا لا نكاد نتجاوز صعوبة حتى نقابل أخرى. . . ونستدبر خطيئة حتى نواجه ثانية فعشنا لا نجد إلى السعادة سبيلا!)