للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هؤلاء؟ هل فكر فيهم أحد ممن ولاهم الله أمر هذه الأمة، وأتمنهم على مالها، وجعل إليهم المنح والمنع، والرفع والوضع؟

هل ساءل واحدهم نفسه وهو يتخير أطايب الطعام من فوق مائدته ماذا يأكل هؤلاء المفلسون؟

هل فكر وهو ينتقى أبهى الحلل من خزانة ثيابه ماذا يلبسون هل خطر على باله وهو يفسد أخلاق أولاده بالترف، ويتلف صحتهم بالسرف، أن لهؤلاء بنين وبنات لا تكفى رواتبهم لسد جوعهم بالخبز القفار، وستر عوراتهم بالخام؟ رواتبهم لا تكفى للطعام والثياب فكيف إذا ولدت المرأة وجاءت نفقات الولادة؟ فكيف إذا مرض الصبي وأقبلت مصروفات العيادة؟ فكيف إذا خطبت البنت وكانت تكاليف الزواج؟ فكيف إذا دخل الأولاد المدرسة وطالبتهم بثمن العلم؟. فكيف إذا اشتهوا أن يتشبهوا بأبناء الناس يوماً. . . فأرادوا أن يأكلوا الحلوى الحلال أو يطلبوا اللملهى المباح؟؟ أم قد حرمت هذه المتع على الفقراء، وكتب عليهم أن تكون حظوظهم من دنياهم كحظوظ البهائم: ملء المعدة بأرخص الطعام، وستر الجسم بأيسر الثياب، والإستكنان بشر المساكن؟ وان تكون معيشتهم اقل من معيشة كلاب الأغنياء؟.

قرأت في جريدة (العلم الأخضر) نقلاً عن العدد ٦٧٣ من (مجلة الاثنين) أن (روى) كلب الوجبة الأمثل. . . فلان بك. . يفطر كل يوم بكيلو من اللبن ورغيفين من خبز (الفينو) و (باكو) من الشوكولاته ثمنه بين ثمانية قروش وخمسة عشر قرشاً ويتغدى برطل ونصف رطل من اللحم المسلوق مع طبق مترع بالثريد، وأن طبيباً خاصا. . . وخادماً أجرته عشرة جنيهات في الشهر عمله أن يصحبه في سيارته الخاصة به. . . في نزهته اليوميتين وأشياء أخرى من هذه البابة، يمتع بها هذا الوجبة الأمثل، كلبه المدلل، لا يصل إلى مثلها عشرة في لمليون من بني آدم الذين يقطنون هذا الوادي. . . فلم أجد في العربية على سعتها، وعلى طول يقطنون هذا الوادي. . . فلم أجد في العربية على سعتها، وعلى طول اشتغالي بها، كلمة تليق بهذا السفينة المبذر الكافر بالنعمة والإنسانية وبالوطن، لا قولها له. . . ولم أدر كيف أخاطب هذا المجتمع الذي بلغ الفساد فيه، والانتكاس في أوضاعه أن صارت الكلاب تأكل (العيش الفينو) وكثير من الناس يتمنون الخبز الأسود. . . وتركب

<<  <  ج:
ص:  >  >>