للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نزلت درجته، ولا يكفل هذا الحق له ولأسرته، ولو كان كناس الطريق، أو ناطور المراحيض، وان تسوي بين الناس (المساواة الممكنة) التي حققها الإسلام في أول الدهر في عهد الشيخين، والشيوعية في ذنب الزمان في أيام ستالين، وإن اختلف نوعهما، فكانت تلك مساواة في السعادة، وهذه هي المساواة في الشقاء!

لقد نشأت في الشام، وسحت في البلاد، فرأيت في كل بلد أغنياء وفقراء، وسعداء وأشقياء، ولكن لم أر أبدا مثل الذي رأيت في مصر!

فما هذا التفاوت بين البشر في مصر؟ ما هذا الوضع الذي يجعل من الناس واحدا يملك مليونا ومليونا لا يملكون واحد؟ وألفا يشتغلون لرجل، والرجل لا يعمل عملا؟ وإنسان يظن نفسه من الغنى والكبر إلها، وأناس تحسب أنها من الفقر والضعة بهائم؟

متى كان هذا في طبع العربي؟ متى كان في شرع المسلم؟

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

يا ناس. راقبوا الله، فان هذا ظلم، والله لا يرضى لعباده الظلم ولا يقرهم عليه، ولكنه يمد للظالم ثم يأخذه. . . فاتقوا أخذه الله.

يا ناس. اعقلوا، فان هذا باب الشيوعية فان لم تغلقوه دخلت عليكم فأهلكتكم.

يا ناس. ارحموا، فان هؤلاء ناس مثلكم، ولا تحسبوهم بهائم لئلا يصنعوا فيكم صنيع للبهائم، فيثوروا عليكن رفساً ونطحاً وعضاً ولدغاً، فلا تملكوا دفعهم، ولا النجاة منهم. . .

لا، لا تحقروهم، فإن الدجاجة إذا هبت تحمى فراخها استماتت فانقلبت صقراً، والقطة إذا ضويقت وغضبت صارت نمراً والماء إذا اندفع كان سيلاً مدمراً، والهواء إذا انفجر كان إعصارا مخرباً، ولولا الضغط ما ثقب المسمار الخشب، ولا أطلق المدفع القنبلة، ولا زلزلت الأرض، ولا انفتحت البراكين، ولا ثارت الشعوب.

فارحموهم ترحموا أنفسكم! واعدلوا فيهم تدفعوا عنكم يوماً اسود لا تعلمون إذا حل عم ينجلي سواده! وقوا مصر أن كنتم تحبون نصر، جائحة مهلكة، وداهية مكفهرة، أولها الشيوعية وآخرها ما لا يعلمه إلا الله! وهذا إنذار!!

على الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>