(غلام إذا هز الفتاة ثناها). ولم تقل كما قال المتنبي:
لم يخلق الرحمن مثل محمد ... أبدا وظني إنه لا يخلق
واعتقد أن هذا كلام ينطوي على لغة العاطفة وما تحتويه من مبالغات واضحة.
وللقارئ مقارنة أخرى بين شاعر وشاعرة فيها تعزيز جديد لصحة ما ذهبت إليه - من أن لغة المرأة في استنهاض الهمة وتحريك الروح الخامد أقوى آثرا، وأكثر صراحة، فهذه عفيرة بنت عفان تستنهض بكلام من الجمر ووابل من لحم إذ نقول:
وإن أنتم ولم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تعاب من الكحل
ودونكمو طيب العروس فإنما ... خلقتم لا ثواب العروس وللغسل
فبعداً وسقاً للذي ليس دافعاً ... ويختال يمشى بيننا مشية الفحل
وهذا لقيط بن يعمر الأيادي يحذر قومه أيضا ويستنهض هممهم بلغة متجاوبة المعاني فخمة الألفاظ إذ يقول:
قوموا قياماً على أمشاط أرجلكم ... ثم افزعوا قد ينال الأمر من فزعا
ماذا يرد عليكم عز أولكم ... إن ضاع آخره أو ذل واتضعا
وليست السيدة زبيدة وحدها أو عفيرة بنت عفان أو ليلى الاخيلية آيات لإقامة الحجة على أدب المرأة صراح قراح، بل هناك غيرهن في أقوالهم الدفة في التعبير والصدق في الأنباء والشرف في المقصد؛ فقد كانت السيدة عتبة بنت عفيف الطائي أم حاتم كثيرة المال، مبسوطة اليد؛ فلما خشي اخوتها الفقر عليها حجروا مالها إلا قطعة من الإبل، فمنحتها سائلاً؛ وقالت:
لعمرك قدماً عضني الجوع عضة ... فآليت أن لا أمنع الدهر جائعاً
فقولا لهذا اللائى اليوم أعفني ... وإن أنت لم تفعل فمض الأصابع
فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعاً
وماذا ترون اليوم إلا طبيعية ... فكيف بتركي يا ابن أم الطبائعا
ولما جئ بسفانة ابنة حاتم أسيرة للنبي صلى الله عليه وسلم انطلقت تقول له من أدب المرأة هذا المقال:
(يا محمد، هلك الوالد وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب!