للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وغضب لما فوتح في أمر إسناد الرياسة إليه، ولكن إصرار العلماء والأعيان وأصحاب الشأن في منطقة (آوار) مهد الحركة الثورية وإجماعها على ضرورة قيامه بقيادة هذه الحركة - جعل شاملاً يستجيب لصوت الواجب، ورضى أن يتولى الإمامة - كما كانوا يسمونها - بعد سلفيه الغازي محمد وحمزة بك.

إن تولى شامل قيادة الثورة الوطنية الدينية في الداغستان كان نقطة التحول في هذه الحركة، فقد تبدل فيها كل شيء وتغير، وانتشرت روح الحركة والنشاط في كل اتجاه، وظهرت نواحي العظمة والعبقرية في هذا القائد الجديد سريعا، فذبت الحركة وهر النشاط في الثورة والثوار، واشتعلت نار الحماسة في صدور أولئك الجبلين من أهل القرى والأكواخ، وتحولت الثورة التي سارت خمسة أعوام في بط، وهوادة إلى حرب منظمة، وقيادة محكمة وجنود مدرين، وأنظمة مالية وقضائية كأحسن ما تكون الأنظمة المالية والفضائية في البلاد، وإنشاء الإدارة المدنية في كل مدينة أو قرية وقعت تحت سلطانه.

كان كل شيء قبل تولى شامل الرياسة يسير على الفطرة والطبيعة الهادئة البدائية، لا أثر للنظام والأحكام فيه، كان واجباً على المتطوع أن يكفى نفسه ويمونها بما هي في حاجة إليه من غذاء وكساء وسلاح، فوق ما يصاب به في نفسه وماله، وما يلحقه من جراء اشتراكه في الثورة من متاعب وخسائر.

ولم يكن لهؤلاء المتطوعين نظام يسيرون عليه، وتدريب يعدهم للأعمال الحربية، فكان كل واحد منهم يقوم بما يستطيعه تحت مسؤليته وعلى حسابه، وعلى الوجه الذي يتراءى له.

وكما لم يكن هناك - قبل رياسة شامل - نظام للمتطوعين وتدريبهم فإنه لم يكن عندهم ما يسمى بالإدارة المالية المنظمة لحركة الثورة، فكل شيء كان يسير - كما قدمت - حسب الظروف، وعلى أساليب فطرية أولية، لا اثر فيها للدقة، ولا للنظام والأحكام.

فلما تولى شامل قيادة الثورة انشأ - أول ما أنشأ - بيت المال على حسب نصوص الشريعة الإسلامية، وعين لهذا البيت الجباة والأمناء والعاملين، وجعل للمتطوع حقاً معلوماً في الغنائم، فكان يخمس كل ما يصل إلى يده من أموال الأعداء، فيضم خمسة إلى بيت المال، ثم يقسم الأخماس الأربعة الباقية بين المجاهدين المحاربين، وأحيا بذلك سنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وخلفائه في قسمة الغنائم ببيت المال والمجاهدين تطبيقاً لكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>