وكان يوم الردة سيفاً من سيوف الله التي رجعت الإسلام إلى موطنه بعد ما كادت تشرده عنه الخطوب، وأعز الله به الدين، وقمع الثائرين. ثم رمى به الصديق الروم، وقدمه على (من هم أقدم منه سابقة وحرمة) وجعله أحد القواد الأربعة، فتجلت عبقريته حتى رجع الثلاثة إلى رأيه، وبلغ الرأي أبا بكر فأقر ما رأى، وكان في اليرموك ثاني الأبطال، بعد نابغة المعارك خالد، وكان بطل إجنادين، فضرب الله به أرطبون الروم بأرطبون العرب، فكان أرجح منه في الميزان، وكانت عبقريته أبقى علىوجه الزمان، حتى قال عمر: غلبه عمرو، لله عمرو!
أما النبل في سلائقه، والسمو في خلائقه، وقوة جنانه، وفصاحة لسانه، فاسألوا عنها كتب الرجال، فما يتسع لها المقال.
هذه هو عمرو وما عرفتموه، قرأتم ما كذبه عليه المؤرخون يوم التحكيم، ولم تقرءوا الحقيقة التي رواها المحدثون وهم أوثق نقلا، وأصدق قولا، وسمعتم أنه من دهاة العرب، فحسبتم الدهاء لا يكون إلا بالكذب والاحتيال والدس والوقيعة. لا يا سادة إن من تخرج في مدرسة محمد، وكان رسول رسول الله، لا يكون دساساً ولا كذاباً، (إن المؤمن لا يكذب)، هكذا قال الرجل الذي قال:(ابنا العاص مؤمنان عمرو وهشام) محمد رسول الله!
هذا هو عمرو. أي فاتح صنع مثلما صنع عمرو؟ أي قائد كان أعظم بركة في ظفره من عمرو؟ أي مصلح كان أبقى أثراً في إصلاحه من عمرو؟
إنه ما شهد في مصر مسلم أنه لا إله إلا الله، ولا قام متبتل في صلاة، ولا قعد واعظ في مصلاّه، ولا قاض إلى منصته، ولا مدرس إلى أسطوانته، ولا عمل مصري من خير إلا وعمرو شريكه في ثواب عبادته، لأنه السبب في هدايته، ومن سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة!
عمرو بنى جامع ابن طولون، وشاد الأزهر، وعمر هذه المدارس، وأقام هذه المساجد، وأنشأ كل مظهر للإسلام في مصر. ما كان لولا عمرو!
عمرو هو الذي رد برابرة الشرق في عين جالوت، وبرابرة الشمال في المنصورة، وكان له فضل كل نصر، كتبه الله للإسلام في مصر!
هذا هو عمرو، فهل تلبي مصر في إصلاح جامعه دعوة الأمير؟ وهل أعيش حتى أرى