تقول الأنباء الواردة من أمريكا إن (الفلم) السينمائي هناك يعاني أزمة كالتي في مصر، وإن رجال هذا الفن يجتهدون في التدبير لعلاج هذه الأزمة والتغلب على أسبابها حماية لهذا الفن من نكسة تضر بنموه وتقدمه. . .
والمسألة ليست مسألة الفن السينمائي فحسب، بل إنها كذلك مسألة المسرح، وهي أيضاً مسألة الكتاب، وكل الوسائل التي تحمل إلى الناس ألوان الثقافة المختلفة. فهناك شكوى عامة من قلة الإقبال على هذه الوسائل والرغبة في القراءة والاطلاع عما كانت عليه الحال في الأيام الأخيرة، أعني سنوات الحرب الماضية.
وعندي أن هذه الحال الطارئة ليست مظهر أزمة ثقافية تدل على انصراف الناس وقلة رغبتهم في الاطلاع كما يقدر بعض الباحثين، ولكنها فترة يقف فيها الجمهور موقف التروي والتمهل للاختيار وإيثار النافع وما يجد فيه من الفائدة ما يوازي، بل ما يزيد، على ما يدفع فيه من الثمن. . .
وهذه لا شك نتيجة طبيعية للحال التي شاهدناها أيام الحرب ولمسنا فيها الرواج العظيم في جميع وسائل الحياة، ومن بينها وسائل الثقافة المختلفة. . .
فالجمهور أيام الحرب كان يتلهف على كل شيء، ويرضي بأي شيء، سواء في غذائه أو في ملبسه أو في ثقافته، فكان حسبه أن يجد ما يطلب، لا أن يختار فيما يطلب، وعلى هذا طعم الخبز المخلوط بالرمل والحصى والتراب، ورضى الملبس الخشن الغليظ الذي لا يجزئ في تفصيل الثياب، وتقبل كل ما يقدم إليه من ألوان الثقافة ما دام يجد فيه تزجية للوقت وتسلية عما يحيط به، أما وقد زالت دواعي تلك الحال وضروراتها فإن الجمهور اليوم يتخير، وإنه ليتروى في هذا التخير، فهو لا يرضى إلا بالرغيف الأبيض الصالح للغذاء، ولا يطلب إلا الثوب الجيد الملائم للمقام، ولا ينشد إلا الكتاب الذي يتحرى فيه النفع والفائدة، ولا يقبل على أي لون من ألوان الثقافة إلا إذا وجد فيه ما يجزي وما يغني. . .
هذه حقيقة يجب أن يقدرها القائمون على نشر الثقافة، والذي ينتجون فيها، ويظهر أن أصحاب المتاجر كانوا أسرع فهماً وأحسن تقديراً لهذه الحال، فقد أصبحوا يعلنون عن بضائعهم بأنها من (أجود الأنواع وأرقى الأصناف) لأنهم أدركوا أن الجمهور الآن إنما يطلب الجودة والرقي. . . فخير للقائمين بأمر الثقافة أن يدركوا هذه الحقيقة، وأن يجعلوها