ومن المعروف أن العرب لم يكن لهم شغل بالتمثيل، ولم يلقوا إليه بالا، ولكني وقفت على خبر غريب أتي به صاحب (العقد الفريد) في (أخبار الممرورين والمجانين) بالجزء الرابع.
ذلك الخبر هو ما أعني بالتمثيلية العربية، وذلك أنه كان في زمن المهدي رجل صوفي، وكان عاقلا عاملا، وكان يتلمس السبيل إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان يركب قصبة في كل جمعة يومين: الاثنين والخميس، فإذا ركب في هذين اليومين فليس لمعلم على صبيانه حكم ولا طاعة، فيخرج ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان، فيصعد تلا يتخذه مسرحاً. ثم يبدأ فينادي بأعلى صوته: هاتوا أبا بكر الصديق. فيتقدم إليه غلام ويجلس بين يديه، فيقول: جزاك الله خيراً أبا بكر عن الرعية، فقد عدلت وقمت بالقسط، وخلفت محمداً عليه الصلاة والسلام أحسن الخلافة، اذهبوا به إلى أعلى عليين. ثم ينادي: هاتوا عمر. فيجلس بين يديه غلام فيقول: جزاك الله خيراً أبا حفص عن الإسلام، قد فتحت الفتوح، ووسعت الفئ، وسلكت سبيل الصالحين، وعدلت في الرعية، اذهبوا به إلى أعلى عليين بحذاء أبي بكر. ثم يأتي عثمان، فيقول له: خلطت في تلك السنين، ولكن الله تعالى فيقول:(خلطوا في تلك السنين، ولكن الله تعالى يقول: (خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم) اذهبوا به إلى صاحبيه في أعلى عليين. ثم يتقدم علي بن أبي طالب، فيقول له: جزاك الله عن الأمة خيراً أبا الحسن، فأنت ولي النبي، بسطت العدل، وزهدت في الدنيا، واعتزلت الفئ، فلم تخمش فيه بناب ولا ظفر، وأنت أبو الذرية المباركة وزوج الزكية الطاهرة، اذهبوا به إلى أعلى عليين الفردوس.
ومما يقول لمعاوية: أنت الذي جعل الخلافة ملكا، واستأثر بالفئ، وحكم بالهوى، واستبطر بالنعمة، وقام بالبغي، اذهبوا به فأوقفوه مع الظلمة ويقول ليزيد: أنت الذي قتلت أهل الحرة وأبحت المدينة ثلاثة أيام، وانتهكت حرم رسول الله، وآويت الملحدين، وتمثلت بشعر الجاهلية:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخرزج من وقع الأسل
وقتلت حسيناً، وحملت بنات رسول الله سبايا على حقائب الإبل، اذهبوا إلى الدرك الأسفل من النار. وهكذا يتتابع أمامه الخلفاء حتى يأتي دور عمر بن عبد العزيز، فيقول له: جزاك