فخذ هذا السيف واعد إليه فاقتله، اعُدُ. . . اعُدُهْ. . .
- قال: هذا سوط!.
فصاحت متحمسة، وضربت الأرض دلالا بقدمها، وانتثر شعرها الذهبي، وزادها الغضب جمالا على جمالها، فأراه غضبها الصخرة قصراً، والسوط سيفاً، وأي رجل لا تخذعه الجملية عن الأوهام حتى يراها حقائق، ولا يندفع من أجلها إذا دفعته إلى المهالك؟
وعثر به الفرس، وكاد يهوى إلى الأعماق المظلمة، ولكنه قفز إلى الأرض، وانطلق يقارع بسوطه الهواء، وهو يرى أنه يجالد الفارس الأسود، حتى إذا قتله. . . مسح سيفه من دمه. . . ووضع قدمه على عنقه. . . وصرخ بها صرخة الظافر، فأقبلت إليه وقالت:
- أنت الملك، وأنا أمتك.
- قال: بل أنت مليكتي.
وانحنى أمامها فقبل يدها، وذهب يقطف زهور الجبل ليصنعها لها تاجاً. . .
ونما الحب الوليد فجأة، فكانت له قوة هذه الصخرة وسموها، وله طهارة هذه الثلوج ونقاؤها، وله خلود هذه الجبال وبقاؤها.
قال صديقي:
وسكتت العجوز حيناً، ثم قالت لي:
- انظر إلى ما تحت قدميك.
فنظرت وإذا أفتن منظر وقعت عليه عينا سائح وأبدعه.
قالت:
- هذا هو المشهد الذي كنت تراه في ظلام الليل أسود مخيفاً، يبعث الرعب، ما تبدل، ولكن غابت عنه الشمس فاستحال جماله قبحاً، وكذلك الدنيا: تكون في عينٍ سوداء وفي عين بيضاء، وتكون يوماً حلوة حبيبة، ويوماً مرة كريهة، ولقد اسودت دنيانا منذ مات سيدي الشيخ، وغربت عنها شمسه المضيئة فشملها الظلام، وذهبت منها حلاوة نفسه، فصارت مرة لا تطاق.
تبدلت هذه (الدنيا) منذ مات، وشب الصغار، فلم يعد في القصر ثلاثة أطفال يلعبون قد ساوى بينهم كرم الوالد، بل سادة وخدم، وظالم ومظلومون، صار عّلام سيد القصر، فكشفت