ساعداً، فهجم عليه يريد أن يسترجع الفرس منه فضربه علام على وجهه وصدره، ثم أخذ حجراً ضخما فرماه به، فشجه وكاد يقضي عليه، لولا أن أقبلت ليلى تدافع عنه بسوطها، تنزل به على وجه أخيها حجزته عنه. . .
في هذه اللحظة ولد المخلوق الجبار الذي اسمه الحبّ.
أشفقت عليه، وشفقة الفتاة على الفتى الجميل بذرة الحب تختفي في قلبها، فلا تحسّ هي بها، كما تختفي حبة الصنوبر الصغيرة في حدور الجبل تطؤها الأقدام، وتتجاوزها الأبصار، ولا يدري بها أحد، ثم لا تلبث أن تكون شجرة باسقة الفرع، ممتدة الأصل، شامخة الهام.
وجعلت تواسيه فيعرض عنها، يستحي برجولته (الصغيرة) أن تراها كليمة مهزومة، وهي تلح عليه، حتى قالت له:
- هلم نقطف (أزهار الجبل).
فأبى. فرفعت ذيلها وانحنت له متشبهة بالعقائل على عادتهن في تلك الأيام، فاستلّت بدلالها غضبه، وابتسمت فأنارت بابتسامتها قلبه، فأطاعها وغلبت أنوثتها رجول الرجل. . . ولا تزال المرأة غالبة ما حاربت بالأنوثة، فإن زهدت فيها وحاولت أن تجاري الرجل في ميدانه، وتسابقه في حلبته، وتقاتله بسلاحه، اصطكت ركباتها، وكلت قدماها، وعجزت يداها، وسقطتومسحت دمه، وعصبت جرحه، وأركبته فرسها، ومشت به الهويني، تلقي في أذنه كلاماً من كلام الطفولة العاشقة، يرفعه في عين نفسه ويحقق فيه عندها ما تتمناه هي في رجل أحلامها، ولكل بنت حلم ولو كانت بنت عشر، ولا يخلو حلم بنت من رجل، ولو كان (رجلا) ابن عشر! حتى إذا اقتربا من هذه الصخرة التي تراها قائمة على شفير الوادي، كأنها قلعة من قلاع الجن، أمامها خندق لا تبلغ قراراته الشياطين، ولا تصل إلى ذروته المردة، قالت له:
- اسمع ما أنت بالوضيع ولا اللقيط، أنت سليل الأمراء التنوخيين، أنت الذي نجا يوم (عين دارة) وهذا قصر أجدادك.
فنظر مشدوهاً، وقال: هذه صخرة!
- قالت: كلا، أنعم النظر إنها قصر أجدادك، وهذا الفارس الأسود بالباب يمنعك من دخوله