جزيرة العرب والعراق وفارس وما وراء النهر، فتلاقت ثقافات هذه البلاد وتمازجت، كما تسربت إليها الأفكار الهندية، وتأثرت بما ترجم من التراث اليوناني إلى اللغة العربية، وأخذت عن الدين الإسلامي، وعرفت تعاليم الدين المسيحي وتعاليم الدين اليهودي. فنبت التفكير الفلسفي العربي من فلسفة وتصوف وعلم كلام وترعرع في كنف ذلك المجمع الثقافي والمتحف الحضاري، ونحن لا ندري إلى الآن أي هذه الثقافات كان أقوى تأثيراً من غيره في الفكر العربي، وإلى أي حد كان أخذ العربي ومحاكاته لثقافات غيره من الشعوب، ولا نعرف ما هو نصيبه الحق في تراثه الحضاري. . .
لكي نكشف عن حقيقة هذه المسائل العويصة، يجب أن نسترشد بكل ما يقال إنه من العوامل التي أثرت في كل من الفلسفة والتصوف وعلم الكلام إذ قد تدلنا على قسط كل ثقافة في الحضارة العربية، وتحدد لنا نصيب الفكر العربي فيها.
أولاً: يلاحظ على الفلسفة العربية أن هناك من لم يقتنع بوجودها، ويشك في قدرة العقلية العربية على التفلسف، ويرى أن الفلسفة العربية ما هي إلا خليط مشوه من الأفكار اليونانية لا نصيب فيها للفكر العربي؟ وأن هناك من يدعي بأن للعرب إضافات مبتكرة تشهد بأن الفكر السامي في قدرته أن يضع نظريات ويقيم كليات، وأن هناك من يقول بأن هذه الإضافات ليست مبتكرة وإنما هي مأخوذة من الأفكار الهندية والفارسية ولكي نتوصل إلى الرأي الصواب؛ يجب قبل أن نشتغل بهذه الفلسفة، أن نجيد فهم الفلسفة اليونانية، ونتتبع تاريخ تطورها من يوم ظهورها إلى أن ترجمت إلى اللغة العربية، وأن نعرف مراحل تطور الفكر الفارسي من قبل نهضة زرادشت إلى أن استولى العرب على بلاد فارس، وأن نلم بكل الديانات الهندية من هندوسية وبوذية سواء في أصولها أو في صورها التي وصلت إلى العرب. وبعد أن نحيط علماً بكل ذلك يمكننا أن نبحث في الفلسفة العربية، وأن نحدد موقف العقلية العربية منها.
ثانياً: أما عن التصوف فتضاربت الأقوال شتى المذاهب في نشأته وتطوره، فمن يرى أنه هروب من ارتباك الحياة السياسية وانحطاط الحياة الاجتماعية، ورجوع الحياة الصوفي القديمة التي كانت في الهند وفارس، ومن يرى أنه محاكاة للرهبة المسيحية، وأنه استمد تفسيراته للأحوال الصوفية من أفكار الأفلاطونية المحدثة، ومن يرى أن دين الإسلام برئ