فأغاني شكسبير مثلا سلسلة من الأفكار التي يمزج فيها الفهم بالشعور، ودع عنك قصائده التي نظمها في الروايات أو أجراها على السنة الرجال والنساء. فأن شعر الأغاني أحق شعر أن يقصر عليه (الوجدان) إذا صح ما يفهمه بعضهم من الأغراض الوجدانية وخلوها من التفكير.
وقصة (فاوست) الكبرى - وهي أعظم أعمال جيتي - هي فلسفة الحياة والبقاء، وفلسفة الخير والشر، وفلسفة المعرفة والضمير.
وليس فهمها بأيسر من فهم قضايا المنطق أو معادلات الرياضة والكيمياء.
ورباعيات الخيام يصح أن تسمى (فكر الخيام) لأن الرباعية منها تدور على فكرة أو خلاصة أفكار ولا يمنعها الشعور أن تكون شعور إنسان من المفكرين.
والحكم على المتنبي ميسر لمن يقرأ العربية وحدها ولا يقرأ غيرها من اللغات.
وليس في قصائد المتنبي قصيدة واحدة يقول القائل إنه أهمل الفكر فيها، أو إنها وجدان بغير تفكير.
ومن أمثلة ذلك هذه (القضية) التي صاغها في بيت من الشعر حيث يقول:
وإذا لم يكن من الموت بد ... فمن العجز أن تموت جبانا
أو هذه القضية التي صاغها في هذا البيت:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
أو هذه التقسيمات الوافية التي يقول فيها.
تصفو الحياة للجاهل أو الغافل ... عما مضي منها أو ما يتوقع
ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع
فأن التفكير إذا ذهب في هذا المعني إلى غايته لم يأتي فيه بمزيد بعد الجهل والغفلة والمغالطة في الحقائق. وهي شروط صفاء العيش في حكمة هذا الحكيم، أو في شعور هذا الإنسان.
وندع الشعر إلى الغناء والموسيقي، وقد يخلوان من اللفظ ولا يخلوان من التفكير.
فنشيد الرعاة وجدان.
والحان فاجنر وجدان.