للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولكن الفرق بين الوجدانيين كأبعد فرق بين شيئين يوجدان في طبيعة إنسان.

ومن الحقائق التي تحضر في هذا السياق أن نقص الفكر ليس بزيادة في الحس والوجدان، وان زيادة الفكر لا تمنع الإنسان أن يحس وان يتسع وجدانه لأوسع آفاق الحياة.

فقد ينقص فكر الإنسان وينقص حسه على السواء، وميزة الإنسان دائما أن يحس إنه يفكر وان يفكر إنه يحس، وان يكون نصيبه من الإنسانية على قدر نصيبه من الفكر والإحساس، فليس هو بإنسان كامل إذا خلا من التفكير، ولا يكون الأدب كاملا وهو يعبر عن إنسان ناقص في الزم مزاياه.

وللأدب بحوث غير بحوث العلم والدراسات الاجتماعية أو الاقتصادية.

فهل تحسب هذه من الأدب أو لا تحسب منه لأنها تحتاج إلى تفكير؟ وهل يمكن أن يتم بحث بغير تفكير ولو كان من البحوث في الشعر والإحساس؟

فالبحوث الأدبية أدب وليست علما بالمعني المعروف للعلوم التجريبية، لأن البحوث العلمية تتفق في النتيجة ولو جرت على أيدي مئات من العلماء. وقد يبحث ألف ناقد في ديوان واحد ثم يخرجون منه وكل منه ينقض أقوال الآخرين أو لا يلتقي بهم في موقع لقاء. وإنما يفعلون ذلك لأن الباحث منهم يعتمد في فهم المعني على مرجعه من الإحساس، فيفهم الإحساس على وجه ويفهمه غيره وجوه. ولا يقال من اجل ذلك أنهم ينبغي أن لا يفهموا أو لا يفكروا لأنهم يحسون!

وبعد، فأن الإحساس طبقات وليس بطبقة واحدة بين جميع الناس.

وكل طبقة من هذه الطبقات فهي لغز مغلق بالنسبة إلى من يقفون دونها ولا يرتفعون إليها، فإذا عبر أحد منها عن شعوره ولم يفهمه الذين يقصرون عنها ويهبطون دونها فليس ذلك بمخرجه من أفق الشعور الذي هو فيه، ولكنه يخرجهم من ذلك الأفق الرفيع.

ولعلنا بحاجة إلى التنبيه إلى سخافة شائعة في مصر والشرق بين أدعياء الإحساس ممن لا يحسون ولا يفكرون، وهي اعتقادهم أن الإحساس والتخنث مترادفان. ويوشك أن يموت الإنسان عندهم من فرط الإحساس، لأنه يحس في زعمه بمقدار ما يتراخى ويتخاذل ويئن وينوح!.

وأحوج ما يحتاج إليه هؤلاء المتأنثون (مزعج) قوي ينقذهم من (فرط الإحساس) على

<<  <  ج:
ص:  >  >>