للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في طريق الرقي الاجتماعي.

ومراكش ليست دولة في مجاهل الدنيا حتى تدرب على حكم نفسها. وقد عاصرت القرون وكانت أمجادها وبطولتها مضرب المثال، فهي دولة مستقلة ذات سيادة وصولة وتاريخ وشخصية قبل أن تعرف فرنسا شيئاً من ذلك، وهي أمة موحدة قبل أن تحقق فرنسا وحدتها الإقليمية في قارة أوربا، ولإخواننا المراكشيين جولات في أفريقيا وفي القارة الأوربية، وبين ملوك مراكش وملوك فرنسا مكتبات ومعاهدات قديمة عامل فيها كل واحد الآخر معاملة الند للند.

لهذا كله دهشنا من موقف فرنسا ورجالها بعد سنة ١٩١٢ وموقفها اليوم في سياسة المقيم العام التي يريد أن يفرضها على دولة قائمة ذات سيادة وسلطان وشخصية دولية. وكنا نؤمل أن تغير دروس الماضي بعد الحرب العالمية الأولي، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، شيئاً من أساليبهم وعقليتهم، ومراكش بلاد لم تفتح وإنما تعاهد سلطانها معهم وحالفهم على شروط معلومة، فإذا هم ينزعون البلاد انتزاعا، ويصبح المقيم العام سلطاناً وحكومة، بجمع السلطات كلها بين يديه من تنفيذ وتشريع وقضاء، ويسيطر رجاله على الشئون المالية والاقتصادية والإنشائية، ويضع يده على الحبوس والأوقاف، وينتزع أملاك الدولة فيوزعها على المستعمرين من الفرنسيين.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ضربت بالمواثيق والعهود التي أخذتها الدول عليها عرض الحائط، فهي لم تحترم ما جاء باتفاق الجزيرة سنة ١٩٠٧، ولا ما جاء بالاتفاقات التي أعقبت حادث أغادير المشهور، وكلها تنص على احترام سيادة سلطان مراكش ووحدة بلاده وبقائها بلاداً مفتوحة لتجارة الدول.، وميداناً للنشاط الأمم.

ولقد رأينا الأسلوب الفرنسي في حكم البلاد التي نكبت به ينتزع السلطات جميعاً من أيدي الحكام الوطنيين فتصبح الحكومة المراكشية التي يطلق عليها اسم (المخزن) صورة لا تملك من الأمر شيئاً. وإذا بدار المقيم العام بيدها السلطات الفعلية: يتولاها بواسطة مستشاريه على الطريقة الفرنسية المباشرة التي رأيناها في سوريا ولبنان أيام الانتداب. فتصور هذه الدار تتولى الأمن العام والجمارك والضرائب وتدير الأوقاف وتفتح المدارس وتغلق الكتاتيب، وبيدها التشريع والبرق والبريد، وتسيطر على النقد ووسائل المواصلات، وتمنح

<<  <  ج:
ص:  >  >>