الحاضر، وكلا الآمرين يؤتي بالثمرة المحرمة، التي يريدونها.
وأمر ما لقي لسان الدين من هذه البلوى أن يقود هذه الفئة المعادية والفتنة العمياء تلميذه أبن زمرك وهو الذي نشا وترعرع على يديه. . فقد وكل هذا المخلوق المنحوس قلمه في شرح وتبسيط كفر لسان الدين الذي علم الله إنه منه براء.
ويعود لسان الدين - وهو لا يدري بما حدث، ويجتمع الفقهاء والعلماء يقررون مصير لسان الدين. ولا بد من الفتيا وقد أقام لسان الدين ينتظرها في السجن الذي زجوه به حتى إذا جاءته كانت تحتم قتله.
عرف لسان الدين أن الأمر قد تم، وان السهم وقد نفذ، وان لا مرد لأمر الله، فحن من بين مصائبه واحنه وسلاسله وأغلاله إلى نظرة في كتبه، والى كلمات يريد أن يضيفها على آخر كتاب لما يكلمه. وتلهف إلى جامع غرناطة وجامعتها، حيث كان يلقى دروسه قبل أن يقرر كفره.
وقطع هذه التأملات جلجلة السلاسل، وجاءه قوم غلاظ يحملون المشاعل يتقدمهم رجل فيه بسطة في الجسم لا قبل للسان الدين وهو في الثالثة والستين من العمر بمثلها. تقدم هذا العملاق من السياسي الشيخ الفيلسوف الطبيب العالم الفقيه الشاعر الأديب يزيح لحيته التي خطها الشيب، فلم يبق من سوادها إلا ما بقي من سواد تلك الليلة. . يزيح لحيته ليمهد لقبضته الخشنة القوية من عنقه مكانا يخنقه منه، ووضع ركبته على صدر الرجل وأخذ عنقه وتحسس فيه البلعوم فقبض عليه قبضة شديدة منكرة تزايلت لها وتلاينت وتقلص وجه الرجل واختلفت سحنته ورفس من احتباس النفس رفساً شديداً فما رحمه. واحتقن الدم احتقانا مروعا وجحظت عيناه جحوظا غريبا كأنها تفتش عن الكفر الذي رما به. . . ثم تخافتت نفسه. . . وفاضت روحه التي ملأت الأندلس أدباً وعلماً وفناً.
وزفت بشرى خنقه إلى من حكم بقتله فأمر بإخراج جثته وإحراقها علناً. . . وهكذا كان. . . فما بقي للسان الدين غير اسم عظيم وتراث خالد.
وعرفت ابنة أخي لسان الدين هذا. . . . فاتشحت بالبياض حداداً. . . وخرجت هي وأترابها حيث أحرق. . . وهناك قرأت عليهن قوله:
لم يكن وصلك إلا حلماً ... في الكرى أو خلسة المختلس