فحدث (الله) نفسه، وهو يتدبر صلاحية لهذه الحال:(إن الذي أوردهم هذا المصير تفرقهم، وعيش كل منهم على حدة!) فهيا الله أمور الحياة، وجعل من المستحيل على الإنسان أن يحيا دون أن يجد ويعمل!
فسخر عليهم الحر والبرد حتى يسعوا في طلب الملبس وبناء المسكن!. وسلط عليهم الجوع حتى يفلحوا الأرض ويبرزوها ما ركزت فيها الطبيعة من خيرات ورزق ويخرجوا منها الثمرات فيتخذوا فيها غذاء لهم. . .
وانثنى (الله) يفكر: (إن العمل سوف يوحد بينهم ويجمع شملهم، فلن يستطيعوا كل منهم أن يعتمد على نفسه في صنع آلته وحمل أخشابه وبناء داره وغرس حقله وجني محصوله ونسج ثيابه بعد غزلها. . . وتهيئة طعامه!. أن ذلك سوف يجعلهم يدركون إنه ما دام الإخلاص سيدهم والود رائدهم في تعاونهم على العمل!. فسيضاعف الله ما يأتيهم به من الخير والنعم. ويعيشون في رغد وبلهنية. . . سوف يزيد ذلك من وحدتهم وتضامنهم في الحياة!. . .)
دارت عجلة الزمن، وتقضت الدهور سراعاً بعضها أثر بعض. . . وعاد (الله) يقلب النظر في صارت إليه حال الخلق. . . ويري أن كانوا في عيشتهم سعداء أم ما برح الشقاء ينغص حياتهم. . . فوجدهم في حال اشد سوء مما كانوا عليه. . . فقد أقاموا يعملون معا - كما أرادهم (الله) فليس لهم من سبيل في الحياة غير ذلك - بيد أنهم تفرقوا شيعاً وأحزاباً وانقسموا على أنفسهم جماعات تحاول كل منها أن تحرم غيرها من العمل وتعوقها عنه حتى تنفرد به وحدها!.
فراحوا يهدرون أوقاتهم في نزاع لا نفع فيه وينهكون قواهم في صراع لا طائل منه. . فاضطربت أمورهم واختلت حالهم!. .
فلما رأي (الله) ذلك السوء الذي انحدرت إليه حال الخلق عزم على أن يهيئ أمور الحياة بحيث أن المرء لا يلم بالحين الذي توافيه منيته فيه. فيفاجئه الموت على غرة منه في أية لحظة. ثم أوحي بذلك إلى الخلق. . وقال يحدث نفسه:
(إذا علم كل منهم أن الموت سوف يخترمه في أي حين. . داخلت قلبه الخشية، وأشفق أن يضيع ساعات العمر في شغب وعراك لا يرتد بفائدة عليه!.)