فلما آب (الله) - بعد أن طويت صفحات كثيرة من الزمن - ليراجع النظر في أمور الخلق، وكيف يعيشون. . ساءه أن يري الشر قد اتسعت هوته وأستفحل شأنه! فقد أفاد هؤلاء الذين وهبتهم الطبيعة قوة جبروتاً من الحقيقة الأبدية التي سنها الله للبشر، إلا وهي أن الإنسان عرضة للموت في أي حين. فسخروا أولئك الضعفاء وسلطوا عليهم نقمتهم، فقتلوا منهم كثيرين وراحوا يهددون الآخرين بالموت. .
اصبح هؤلاء الأقوياء ينعمون وذريتهم دون أن يعلموا شيئاً. . ثم ما لبثت السآمة إلى نفوسهم من البطالة والعطل أما أولئك الضعفاء فلا يبرحون يعملون فوق طوقهم ويتلمسون شيئاً من الراحة فلا يدونها ويتنسمون ريح السكينة فلا يصادفونها. . .
فأخذ كل فريق يضج بالشكوى ويحمل ألوانا من البغضاء وصنوفا من الحقد للفريق الآخر. . فازدادت الحياة سوء على سوء وتتابع الشقاء شرا أثر شر!.
فلما أحاط (الله) علما بما حاق بالخلق، عقد العزم على أن يراب الصدع ويقيم الأود. . فأخذ يتلمس وسيلة أخرى لذلك. . فلم يلبث أن سلط عليهم الأمراض والعلل. . وجعلها تشيع بين الناس فلا تذر واحداً منهم!. .
وظن (الله) أن البشر إذا ما أعتقد كل منهم إنه عرضة لأن يخر صريع المرض ضجيع الفراش، فلسوف يدركون ما على الأصحاء من واجب الرحمة والعطف، ومد يد المعاونة إلى من برحت بهم العلة وأشتد عليهم السقم!. وحينئذ يلقون من جانب الآخرين شفقة ورحمة وعوناً.! ومضي (الله)!
حتى إذا عاد لينظر حال الخلق، وقد تفشى بينهم المرض. . رأى أن السوء قد أستفحل أمره واستشرى شره. . فامرض - وقد ظنه (الله) جامعاً لهم موحداً بينهم - أدى إلى تفرقهم وتنافر بعضهم. .
فأولئك الأقوياء الذين يسخرون غيرهم من الضعفاء في العمل اضطروهم أيضاً إلى رعايتهم والعناية بهم حينما تنشب فيهم العلة أظفارها!. . بيد أنهم لا يسعون إلى معاونة الضعفاء إذا ما مرضوا بل يبالغوا في إرهاقهم، فلا يتيحون لهم فترة من الراحة للعلاج والشفاء!.
وجعلوا لهم بيوتاً حقيرة في عزلة عنهم، يعاني فيها هؤلاء الضعفاء سكرات الموت،