يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون).
فكانت بدر الكبرى هي المنة العظمى على البشر جميعا إذ أتاح الله يومئذ للمسلمين أن يسيحوا في الأرض وأن ينصروا الله وأن يجعلوا كلمته هي العليا، وأن يردوا العرب إلى شريعة أبيهم إبراهيم عليه السلام وهي الحنيفية السمحة، فانكشفت خلائق العرب بنبلها وكرمها وعدلها وصفائها حتى لم يبق على ظهر الأرض من بلغته الدعوة، أو من رأى هؤلاء الأحرار المؤمنين حتى تبع قبلتهم وأثرهم بالحب، فمكن الله للعرب أن يفتحوا الأرض ويثلوا العروش ويملكوا ما أظل ملك كسرى وقيصر في ثمانين عاماً، وأقاموا حضارة قامت على العدل والمساواة والأنصاف والتسامح، وعلى رعاية أهل الأديان وحياطتهم وعلى رد بغي الباغين وعدوان المعتدين من أي ملة كانوا.
كأن الإسلام فيصلا حقا في تاريخ الأديان، وكان أول أمره في يوم الاثنين لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان، وكانت غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها أهل الإسلام من العرب في يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان. ثم شاء الله أن يدور الزمن دورته على مجد العرب وحضارة العرب وأن تكون مصر والسودان مناط أمال العرب في هذا القصر وشاء ربك أن ينعقد اجتماع مجلس الأمن على أن تعرض قضية مصر والسودان في يوم الثلاثاء بعد أن تخلو من رمضان ثماني عشرة ليلة من سنة ١٣٦٦ من الهجرة، وهو اليوم الموافق للخامس من أغسطس سنة ١٩٤٧ من ميلاد المسيح عليه افضل الصلاة والسلام أنها أن شاء الله بشرى الحق بأن الله قد كتب لقضية مصر والسودان أن تخرج من معمعة مجلس الأمن مؤيدة بنصر الله (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون). فهذا شهر مبارك قد عود الله فيه العرب والمسلمين أن بنصرهم على عدوهم، وأن يمكن لهم في الأرض، وأن يؤيدهم بالنصر في ساعة العسرة حيث هم قليل مستضعفون يخافون أن يتخطفهم الناس. . .
ولا يستهين أحد بخطر هذه القضية، فإن مصر والسودان هي قلب أفريقيا أولا، ثم هي قلب العالم العربي، ثم هي قلب العالم الإسلامي كله. فالنصر الذي سوف تناله أن شاء الله على بريطانيا هو نصر لهذه الثلاثة واجتماع لكلمتها وتاريخ جديد لحياة أفريقيا وحياة العرب وحياة الإسلام.