وكانت تزوره مع نسوة يصحبنها، فيأكلن عنده ويشربن، وينصرفن بعد أن يحدثها وينشدها، ولا تطعمه في نفسها.
وظل الحبيبان يتزاوران تارة، ويتبادلان الرسائل أخرى، حتى شاع الخبر ورقى إلى أهلها ففزعوا إلى محتسب الجند بالبصرة واعلموا نبا بشار، فأخذ هذا يضيق عليه الخناق ويراقبه، فامتنع عن عبيدة، واسلم نفسه للجوى والسهاد. . . وهل غيرها عزاء للمحبين. . .؟
وأنه لذات يوم مع راويته هشام بن الأحنف يملي عليه شعر هواه، إذ أتته امرأة فقالت: يا أبا معاذ عبيدة تقرئك السلام، وتقول لك: قد اشتد شوقنا إليك، ولم نرك منذ أيام. فقال: عن غير مقلية والله كان ذاك. . ثم قال لراويته هشام: خذ هذه الرقعة واكتب فيها ما أقول ثم ادفعه للرسول:
عبدَ أني إليك بالأشواق ... لتلاقٍ وكيف لي بالتلاقي؟
أنا والله اشتهي سحر عيني ... ك وأخشى مصارع العشاق
وأهاب الحرسي محتسب الجن ... د يلف البريء بالفساق
أعلمت لماذا أرسلت إليه عبيدة؟ لم يكن الشوق وحده هو الذي دفعها بل أرادت أن تراه لتفضي إليه بالنبأ الخطير. . .
أن أهلها عملوا على أن يزوجوها برجل من عمان لتخرج عن البصرة ليخفت الحديث الذي سار بين الناس وتناقلته مجالسهم.
ويذهب القوم ليحتفلوا بزفاف عبيدة ويشهدوا رحيلها مع زوجها إلى عمان، ويبقى شخص واحد!.
نحن هنا (بالرقيق) أيضاً ولكن لا كئوس ولا أوتار ولا ندامى!.
إن شاعرنا اليوم كاسف البال ملتاع الفؤاد قد اجتمع عليه الوجد والبعد والأسى ثلاثتهم وخيم على البيت الصاخب الكابة والسكون. . . سكون عميق لم يشقه إلا صوت بشار يسأل هشاما أين الأحنف: وهل رضيت عبيدة بالخروج مع زوجها إلى عمان؟.
نعم رضيت، ولعلها على مقربة من عمان الآن! فينكب بشار عل نفسه، ويتمتم في صوت خفيض: