ولن ترتضي أن تقد القنا ... ة ويبتر من مصر سودانها
وحجتنا فيهما كالصبا ... ح وليس بمعييك تبيانها
فيحذف البيت الذي فيه (سعد) ويبدأ البيت التالي بـ (ولن نرتضي) بتحويل تاء المضارعة إلى نون، ولا ادري من يكون المخاطب بقوله (وليس بمعييك تبيانها) بعد حذف (سعد)؟
ولا أريد أن أطيل بالاسترسال في بيان الاضطراب والتشويه والمسخ في هذه القطعة، وإنما أريد أن اخلص إلى أمرين:
الأول: إن اختيار الأبيات على هذا النحو من قصائد قيلت في حوادث ماضية، لمجرد التشابه بينها وبين حال حاضرة، إنما هو عبث بالآثار الأدبية وجناية عليها، ليس بالتشويه والمسخ فحسب، بل كذلك بعدم الالتفات إلى الدقائق الفنية التي تدل على الفوارق بين حال وحال.
الأمر الثاني: هو أنه ما دامت الرغبة متجهة إلى غناء قطعة موضوعها (السودان) فلم الالتجاء إلى تلك الطريقة؟ أذلك لاعتبار اقتصادي؟ أم أن مصر أقفرت من شاعر ينظم في السودان قطعة مناسبة تغنيها أم كلثوم أو عبد الوهاب؟
أيصح أن نبتغي الغناء بما يجيش في صدورنا نحو وطننا في الوقت الذي تعرض فيه قضيته على مجلس الأمن، فلأنجد شاعرنا يغنينا عما قيل منذ ربع قرن وقد تطورت الأفكار وجدت أحداث؟
فأين شعراؤنا من قضايا الوطن الحاضرة؟ ألا يشعرون بها؟ وأين التعبير عن هذا الشعور؟
لقد كان الشعراء يحفزون الهمم ويغذون المشاعر، أما الآن فالناس يتحفزون ويتوثبون وهم لا يحسون للشعراء بوجود. أنهم يلتهبون عندما تغنيهم أم كلثوم لشوقي من قصيدة (سلوا قلبي):
وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تأخذ الدنيا غلابا
رأينا الجمهور يفور حماسة من هذا البيت وهو ليس نصا فيما يريد. . . مما يدل على أنه يتلمس الوقود تلمسا فلم لا يستجيب الشعراء لمشاعر الأمة ومطالبها الوطنية؟
إن من نكد الأيام على هذه الأمة المسكينة أن الفنون فيها إنما تستعمل لإثارة الغرائز وجلب ما يملأ البطون. أما الشعور بالصالح العام فليس حظ الفن منه بأكثر من حظ السياسة. . .