عديدة، ولا لما أثاره من المعارك والمقاتل والأيام المشهودة، وإنما كان محنة إزاء ما تبينه العالم من صمت المسلمين وجمودهم وتفرق كلمتهم. لقد كشفنا هذا العدوان الفرنسي أمام الدنيا وشعوبها. كنا قوة تخشاها أحداث الزمن، فإذا نحن لا شئ. كان العالم يحسب ألف حساب للروح التي تفيض حماسة وقوة ورفعة تلك الروح التي أفرغتها تعاليم الإسلام على الأفراد والجماعات والشعوب فإذا هذه الروح لا وجود لها، أنها قد ماتت ولم يعد لها بقاء ولم تقم لها قائمة، ولهذا حمل أهل الجزائر عبء القتال وحدهم، وكان عبئا ثقيلا عليهم. حقا انهم ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ولكن للطاقة البشرية حدا، انهم دافعوا دفاع المستميت حتى القوا في النهاية أسلحتهم.
هذه ناحية جديرة بالبحث والتحقيق، نقول ماذا دهى العالم الإسلامي وأهله؟ ماذا أصاب هذه الشعوب التي عهدناها في التاريخ زاحفة على الأخطار تتلقاها بصور ملاها الايمان، لا تلين يوم ترجف الراجفة ولا تخضع ولا تستأمن وإنما تقوم للأحداث وتقعد أين ذهبت تلك الحيوية التي كانت تتبع الرادفة بالرادفة، وتهز بعزائم أهلها الدنيا وتواجه بصدور أهلها طوفان الحوادث فتعلو عليه والنصر من كل جانب يواتيها؟
ولقد افتتحت هذا المقال بجعله من فاوست قالها جوتة الشاعر الألماني، هي تلخص حال المسلمين في افتتاح القرن الماضي، إذ كانت قد خفتت منذ سنوات وقرون أصوات المعارك الزاحفة، وانهدرت صروح الممالك القوية، وتفككت عرى الدنيا الإسلامية حينما أطلت طلائع القرن التاسع عشر علينا فأصبحت المدن التي كانت عامرة أنقاضاً وهبط عدد المسلمين في مصر وفارس وسوريا والمغرب، وضعف شان المسلمين كل جانب ومنذ ابتداء القرن الثامن عشر لم يبقى لهم إلا دولة آل عثمان التي وصلت جحافلها إلى فينا مرتين، ثم إذا هي تواجه الهجمات المتتالية في جبهة البلقان والمجر وتدافع ببطولة واستماتة؛ فمن كان بوسعه أن يخترق حجب الغيب قبل وقوع هذا الحدث الأعظم بثلاثة قرون، ويجاهر المسلمين بان مصائب القرن التاسع عشر وأرزاءه كانت نتيجة للأخطاء التي ارتكبها أسلافهم بحروبهم وسياستهم وتفرق كلمتهم؟
لم يبقى من شك في أن الحروب التي شنها سليم الأول على مصر وإيران اضعف الكيان الإسلامي كقوة فعالة، ولا سيما إذا حللنا على ضوء المنطق الأسباب التي دفعته إليها، فقد