للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت مشاكله مع الدولتين من الأمور التي كانت بوسعه حسمها بدون أن يتورط في معارك مع دول إسلامية بطبيعتها حليفة له. فكان من اثر حروبه أن زالت من الوجود دولة مصر التي كانت الحروب الصليبية في مواجهة أوربا، وناهيك بذلك مفخرة لها.

أن الضربة التي وجهت إلى مصر في سنة ٩٢٢ هـ، كانت ضربة ضد العروبة الإسلام إذ كان من أثرها أن انهار ركن من دعائم دنيا المسلمين كان المقام الأول في الدفاع عن أراضيهم وصد أعدائهم، وسرعان ما ظهرت للعيان فداحة هذا الرزء حينما لم يمض نصف قرن حتى أعقب ذلك هبوط سريع في عدد السكان، ونقص في العمران الذي كان قائما بأراضي مصر والشام، بل أن اثر الفتح العثماني كان شديدا حتى على الحركة العلمية والأدبية التي كانت سائدة بمدارس القاهرة ودمشق، فلم نعد نسمع بمصر عن رجال من أمثال ابن خلدون والسيوطي والقريزي وغيرهم من أئمة الدين والفقه والشريعة، ثم انظر إلى اثر هذا العدوان ضد بلاد الإسلام في العقلية الأوربية نفسها، فهذه جمهورية البندقية استمرت في علاقات حسنة مع مملكة مصر طول القرون الوسطى. وانك إذا ذهبت إلى المدينة وزرت قصر الدوجات تجد في إحدى قاعات العرش رسما كبيرا يمثل سفراء إيران بين يدي عاهل البندقية أن هذه الصور توحي بأشياء كثيرة فان هذه الجمهورية بعد زوال مصر أخذت تبحث عن حلفاء لها من بين المسلمين.

والمعروف أن دوج البندقية كان عدوا للأتراك العثمانيين، فهو يضع في مواجهة العالم اعتزازه بتحالفه مع أعداء الدولة العثمانية من المسلمين وليس ابلغ للدلالة على تفرق كلمة المسلمين وتشاحنهم بعد حروب سليم من هذه الصور القائمة حتى اليوم درسا وعبرة لمن يريد أن يعتبر.

وما يقال عن إيران ينصب على سلطنة مراكش، فهي تمد عاشت أكثر من ثلاثة قرون في شبه عزلة تامة نتيجة للسياسة العامة التي وضعها سليم بضرورة فرض سيادة الخاقان الأعظم على بلاد المسلمين وممالكهم وهي سياسة لم تكن تسمح بإيجاد علاقات واضحة صريحة مع دولة مراكش المستقلة ولم يكن نتيجتها سوى توالي المحن والنكبات، وتحضير الظروف وتوطئة الأحوال الملائمة لذلك الهجوم الفرنسي الذي تمثل في الاعتداء على القطر الجزائري الشهيد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>