قارن هذه السياسة المبينة على الدعوة إلى السيطرة العامة والخضوع لسلطان الخلافة مع المرونة التي أظهرها ملوك مصر ابتداء من الملك الظاهر بيبرس مع خانات التتار والقبيلة الذهبية وأصحاب عروش الفنجان في روسيا، تجد انهم نقلوا هذه البلاد من الوثنية إلى الإسلام.
أما السياسة العثمانية فلم تنجح مع أنها كانت قريبة منهم لأنها جاءت لملوك هذه البقاع وفضلت فرض نوع من الوحدة والسيادة عيهم، وكان هؤلاء في عنفوان قوتهم فرفضوا الإذعان لسلاطين آل عثمان وكانت دولة الخلافة في أبان مجدها وفتوتها فتمسكت بسياستها، وبعد قرنين ضعف الجانبان ودخل خانات القرم طوعا تحت كنف السلطان الأعظم، فإذا هو عاجز عن حمايتهم، وإذا بالقوى تتجمع ضد الدولة العثمانية، وكان أول من جاهر بالعصيان جماعات القوزاق الذين خضعوا لملوك المسلمين أباطرة وقياصرة، وكانت قلاع العثمانيين على نهر الدنيير في شمالي رومانيا وفي وسط بلاد المجر كافية لصد جموع أوربا مجتمعة، ولكن ماذا تفعل الجحافل العثمانية وقد امتدت الجبهة شرقا وظهر عدو جديد هو الروسيا التي أخذت تكتسح الإمارات الإسلامية حتى وصلت إلى شواطئ البحر الأسود الذي عرفته القرون بحيرة إسلامية؟
لقد ظهرت للعيان أخطاء قرنين من الزمن لان حلفاء الدولة العثمانية الطبيعيين هم سكان نهر الفولجان المسلمين وأمراء القرم وهم الذين كان بوسعهم دفع الشر أبان قوتهم وكان المنطق والعدل والاخوة تملي بتقوية هذه الإمارات وتشجيعها بدلا من مناوأتها فإذا هي أول ضحايا الزحف المسكوبي وإذا بالجبهة العثمانية تنهار بسرعة إذا بمجهود السلطنة والخلافة ينصرف من يوم حصار فينا إلى عهد حملة نابليون ١٨١٢ في صد الهجمات المضادة التي شنتها أوربا فإذا وفقت في صدها عالجها الذئب الروسي الأسيوي مستعينا بمن كانوا حلفاءها، لقد كانت محنة كبرى ولكنها من صنع أيدينا قبل أن تكون من عمل أعدائنا. فالويل إذا تكررت مرة أخرى.
فهل كان من حرج على سلاطين آل عثمان لو اتبعوا أساليب وسياسة سلاطين القاهرة في علاقتهم مع مسلمي الفولجا والقرم؟ لقد أثبتت الأيام أن ملوك مصر كانوا ابعد نظرا وأكثر انتباها.