فلنذكر جيدا هذا اليوم ولا ننسه، لأنه يحمل ذكريات العدوان الفرنسي على الأرض الأفريقية على بر الجزائر الشهيد. وبعد مائة عام أي في ١٩ يونية ١٩٣٠ احتفلت فرنسا بهذا اليوم فأثارت بعملها حمية شر ذمة من أباة الجزائريين واحرارهم وخرجوا من ديارهم يجوبون المماليك حتى لا يروا بأعينهم في ديارهم وأوطانهم ذل يوم يحتفل فيه الغاصب ويرفع أعلامه على أنقاض الوطن الجريح والشعب الشهيد، فلقيني جماعة منهم في مدينة استنبول، وذكروا لي مشاهد عما يلقونه من عنت وما صارت إليه أوطانهم ومرابعهم وهي البلاد العزيزة التي حملت أعلام المرابطين والموحدين وقبائل المسلمين من العرب والبربر، وكانت لهم السيادة والقيادة والحول والقوة أيام كانت ترتج أمام أمجادهم وعزائمهم جحافل الفرنجة وتخشاهم الدنيا.
وجاء منهم فريق إلى مصر، فأمضى أياما من غير أن يسمع لهم صوت أو أنين ولما جاء الفوج الثاني أرجعهم بوليس مصر وشرطة المواني بحجة أن مصر لم تكن موقعة على جوازات سفرهم وضحكت من الأيام التي جعلت بولسينا حريصا على تنفيذ تعليمات حكومة الاستعمار الفرنسية متيقظا إلا يدخل مصر العربية من هم من اقرب الشعوب إلينا وألصقهم بنا، ومن يحملون تأشيرة مصرية قانونية، ولا ادري من الذي لفت الأنظار إليهم ومن حال بينهم وبين مصر ومن أعطى التعليمات بإعادتهم.
وارتجت مدن الجزائر في يونية ١٨٣٠ وقامت القائمة فيها، والوالي يجمع جنده ويحشدهم ويرسل إلى البلاد والأقاليم يدعو للجهاد والدفاع ويطلب النجدة من وهران وقستنطينة وخرجت الجموع لمهاجمة معسكر الفرنسيين، فاقتحموا المراكز الأمامية أمام تراجع الجنود الفرنسية حتى إذا صاروا تحت مرمى المدفعية حصدتهم بنيرانها حصدا، فاختلت صفوفهم وأخلوا الأماكن التي احتلوها وتعقبهم الفرنسيون وكانت هذه أول ملحمة على ارض الجزائر في يوم ٢٥ يونية ١٨٣٠.
وكانت قوات والي الجزائر محتشدة داخل حصون في ناحية أبي جارية، فخرجت منها للقتال والتحمت مرة ثانية مع الفرنسيين فلم تصبر على النيران وارتدت وأخلت هذا المعسكر فاحتله القدو ثم تقدموا منه واحتلوا بساتين المدينة وأطرافها وبدءوا حصارها.