وبعد أيام اخذوا في إطلاق نيران المدفعية فأصابت قذائفها برج مولاي الحسن وكانت فيه مخازن البارود. فأصابتها قنبلة سببت انفجارا هائلا. فاندك البرج على من فيه وتطايرت حجارته وتهدمت عدة منازل ومات خلق كثير تحت الأنقاض.
وبهذه النائبة اهتزت أركان المدينة وفقدت روح المقاومة واستولى الرعب والقلق على السكان فقرر الوالي تسليم المدينة.
وفي صباح يوم ٦ يولية ١٨٣٠ المحرم ١٢٤٦ دخلت جيوش فرنسا من الباب الجديد وأنزلت الأعلام العثمانية من القصبة والأبراج ورفعت الرايات الفرنسية واحتلت الجنود القصبة والقلاع والشواطئ وزالت من الوجود حكومة الجزائر الإسلامية.
وتم العدوان على الأرض التي أمضت فرنسا السنين تحلم بوضع اليد عليها بعد أن فقدت أملاكها في الهند وأمريكا وجزائر المحيطات، ولم يرد في ذكر شروط الهدنة والتسليم نص على الاحتفاظ بحقوق الأهالي وتقرير مصيرهم سوى النص الاستعماري الذي وضعه نابليون في مصر وهو: احترم الديانة المحمدية وعدم التعرض لنساء المسلمين.
وهو النص الذي ما انفك دعاة الاستعمار يرددونه في كتبهم وأبحاثهم وخطبهم دليلا على روح التسامح، ويقولون وماذا يريد المسلمون وقد تركنا لهم حرية التدين وحفظنا لهم أعراضهم كان حياتهم وقف على هذا لا تتعداه أو كأنهم أهل آخره لا تشغلهم أمور الدنيا فلا تهمهم العاجلة ما داموا قد ضمنوا الآجلة واخذوا بأيديهم مفاتيح الجنان.
ويقولون مؤرخو المسلمين: اهتزت لهذه النائبة المشارف والمغارب وكانت من اعظم النوائب. والحقيقة أن العالم الإسلامي الذي عهدناه يهتز لما يحدث في كل ركن منه لم يتحرك لهذه الكارثة ولا لما تلاها من نكبات وإنما تحرك القطر الجزائري وحده أمام العدوان وقامت قبائله ورجاله يذودون عن حياضهم وانضموا تحت لواء الأمير عبد القادر، يكتبون بدمائهم ملحمة من ملاحم الحروب القاسية، في تاريخ الإسلام الذي واجه الحقائق وقال:
(لقد تبينت ما قدر على وهاأنذا مستعد للأقدام).
ولكن بعد مضي قرن من الزمن يقف أهل الجزائر مرة أخرى للامتحان أمام فرنسا ويرددون هذا القول لقد عرفوا وتبينوا ما كتبته لهم الأقدار فهل عم على عهد الأقدام