وروى الكاتبان الفرنسيان الأخوان (جان وجيروم تارو) في رحلتهما إلى مراكش انهما شاهد هناك مؤسسة لا يوجد مثلها في الدنيا وهي دار كبيرة فسيحة تتسع لستة آلاف ممن أصيبوا بمحنة العمى من الفقراء فيقيمون فيها يأكلون ويشربون ويقرؤون، ولهم أنظمة وقوانين يسيرون عليها، وتشرف على شئونهم إدارة كبيرة تدبر لهم كل وسائل الراحة والرفاهية. . .
وفي أوقاف مصر وقف لسكنى الأيامى الفقيرات، ووقف أخر لكسوة أولاد الفقراء وثالث لإطعام الكلاب التي ليس لها أصحاب. . .
فهذه وأمثالها كثير مما يطول سرده وعده من مآثر أبانا الكريمة وأريحيتهم النبيلة التي كانوا يبذلونها استجابة لداعي الإنسانية وتلبية لنداء الخير والمروءة، وما كانوا يرجون عليها أجرا إلا ثواب الله وحسن جزائه، فكل ما يجري الآن من صنائع المدنية الحديثة في الترفيه عن الفقراء وإدخال السرور على نفوسهم لا يعدل قليلا من ذلك الذي كان.
والواقع أن روح الإنسانية التي تملكت أبانا السالفين ووصلت قلوبهم بقلوب هي التي وقت المجتمع الإسلامي على تطاول العصور من الهزات الاجتماعية العنيفة، ومن الثورات التي تصطدم بها النفوس المحرومة على أهل السعة وأصحاب والاموال، وليس من المعقول أن يثور الفقراء أو ينقموا السعادة على الأغنياء ما داموا يجدون في أموالهم الحق للسائل والمحروم. . .