أن تحكم على مقدار ذهولي ودهشتي حين طرق مسمعي مجددا، في صالة هادئة من صالات ذلك المتحف، جرس الصوت نفسه الذي هزني وزغرني البارحة مساء تحت أشجار البستان. لقد كانت هي نفسها هناك نعم وبرغم تخوفي واحتسابي من ملاقاتها ولو بمفردها. حبذا لو كانت حقا وحدها! ذلك أن صوتا كان يحاورها، هو صوت رفيقها في أمسية البارحة. وكنت أمام لوحة المركيزة (باؤل) المشهورة. الاتذكرها؟ أنها تمشك بكفها البيضاء قرنفلة حمراء وترتدي فستانا اخضرا غامقا كان العاشقان يدنوان مني شيئا فشيئا. كنت أحس ذلك من وضوح حديثهما بالتدريج في اذني، فهما يتخاطبان بصيغة الجمع وكان هذا التحفظ القليل منهما تنبيها لمن عساه أن يسمعهما أو يعرفهما من الأصدقاء والمعارف. عند ذاك يكون في مقدورهما تبرير نزهتهما المنفردة مع بعضهما بانتحال مصادفة ملاقاتهما في بهو المتحف، وسكتا فى حين غرة ولكني بفضل حاسة السمع اليقظة التي ترهف في مثل هذه اللحظات، ميزت وسوسة هامسة فيما بينهما لقد خافا فجأة من صوتهما لان ماري أبصرتني ولا ريب عندي في أنها أسرت حينذاك لعشيقها هذه الكلمات المخيفة الهائلة لديها (صديق لزوجي) ومع ذلك لم تغادر الصالة بل كانت خطواتهما تقترب قيلا قليلا مني ووقعهما على بلاط الصالة يجعل صمت الأصوات أكثر وضوحا وجلاء. هناك تساءلت وعيناي مثبتتان في اللوحة وذراعاي معقودتان إلى صدري في متأملة غارقة: أليس الأولى بي الزوغان عنها وتجنب محنة ملاقاتها المربكة؟؟
ليس من المعقول على أي حال استمراري هكذا جامدا دون حراك، لأني بذلك أتخذ هيئة من يراها فعلا، ويتظاهر بعدم رؤيتها، وتلك وقاحة بلا مراء ذلك أن عدم إرادتي النظر إليها هو الإقرار بأنها تصاحب رفيقا أما إذا حييتها فلسوف أفسح لها المجال لكي تشرح موقفها وتتلل بعذر من واجبي التظاهر بتصديقه ومع إني فكرت وقدرت كل هذه الحلول لوقفي فإني لم ارم مكاني. ووقف الحبيبان أخيراً ورائي. لا جرم أن المرأة كانت تتساءل عما إذا كنت امثل دورا. وعلى أي حال لم ترد أن تكون هي البادئة بالاقتراب مني غير أنها اجترأت أخيرا اجتراء المرأة التي تبغي حماية هنائها فجهرت بصوتها لكي تضطرني إلى الالتفات إليها قالت لصاحبها:
- انك لعلى حق يا سيدي فهذه الصورة من أروع وأبدع الصور في الرواق كله، ولن أنسى