يجدها، وظلا متعانقين العمر كله والحب بينهما، فإنه يختنق.
وكيف يعيش الحبيبان إن اقتصرا على حديث الحب؟ وهل في لغة الحب إلا:(أحبك) و (أحبك)؟ كررها عشرين مرة تتم. . . وهل في دنيا الحب غلا العناق والقبل؟ فهل تمضي الحياة تقبل وتعانق؟ ألا تمل؟ ألا تكل؟ ألا تجزع، ألا تجوع؟ ألا تظمأ؟ إن حياة كهذه خير منها السجن، وأحلى منها الموت، وأولى بالعاشق أن يفر منها ولو إلى سقر.
ذاقت ليلى في هذه الدار لذة الغنى، وعرفت متعة الترف، واستمرأت الرقص والغناء، وتخطرت في الثياب الغاليات، وأصغت إلى حفيف الحرير من أردانها، وإلى منمقات الألفاظ من القوم العلية من حولها، فتملك شيطان الترف روحها فأفسدها كما تفسد جراثيم السل أجساد الأصحاء، وشغلها بفقاقيع البحر من جواهره، وأبداها لها تلمع في أشعة الشمس فحسبتها أكرم من الجواهر وأغلى، وزاغت من بريقها عيناها فلم تعد ترى وجه الحب، ولم تعد تذكر الحبيب، ولبثت شهراً كاملاً تتقلب في الحرير، وتمشي على الذهب وهو ينام على الجمر، ويخطو على الشوك، حتى تم شفاؤها ولم يبق بد من عودتها إلى المنزل، فحملتها العربة الفخمة، تجرها الجياد المطهمة حتى بلغت بها الباب، فنزلت منها، وأقبلت على دنياها التي لم تكن تعرف غيرها ولا تطمح إلى سواها، فرأتها ضيقة مقفرة، وأحست بأن قلبها قد بقى في تلك الدار، فتمسكت بأسعد (ابن فارس أفندي) الشاب المهذب الأنيق الذي رافقها إلى منزلها، تتذكر به الشهر الذي مضى كأنه رؤيا منام.
وإنها لفي هذا الشعور، وإذا بهاني قد وقف أمامها بثيابه الوسخة ثياب الإسطبل، فابتعدت عنه، وضمت إليها ذيل ثوبها الأبيض، ولم تكن تعرفه من قبل إلا في هذه الثياب، ولكن الحب كان (صابوناً) يزيل اوضارها، وطيباً يذهب ريحها، وصبغة زاهية تفيض عليها، فأين الحب الآن؟ إنه نائم لم يفق بعد في قلبها، لذلك أنكرت هذه الثياب، وفرت منها، وأبدت الترفع والاستعلاء، ولم تذكر إلا إنها ابنة صاحب القصر، وأنه صبي لقيط سائس خيول يقابل أدبارها، ويرفع أقذارها، وتألمت لدخوله عليها أمام أسعد، ورأت في ذلك صغاراً لها في عينه وخاف أن يظن أنها ليست من طبقة الأكابر المتمدنين. . .
غضبت لعدوان هاني على كرامتها، وتخطيه قدره إلى محاذاتها، ولم ير هو فيها إلا الحبيبة قد لبست هذه الثياب التي تكشف مفاتنها التي يعبدها، وأبدت أعضائها التي يقدسها، لغريب