الآباء الأمراء.
أما أبو فراس فمن يعوضه عطف أبيه، وأي الناس يلاعبه ويناغيه، في حين أن لا أب له يتزلف إليه الناس بالعطف على ابنه.
وإذن فقد نشأ أبو فراس شاعراً بنوع من النقص - والشعور بالنقص أول مراتب الكمال - فلابد أن تدفعه الطبيعة إلى استكمال ما نقص، فينشأ فارساً أي فارس.
ولابد كذلك أن يعتز بكرامته وشرفه، ويفخر بنفسه وأهله وأبيه حتى إنك تراه لا ينسى هذا الفخر، وإن كان يعاني كرب الأسر.
فها هم أولاء آباؤه مغاور، يقدمون حين يحجم القساور، ومن ورائهم شهب ثواقب، وهو أثقبهم شهاباً، وأحماهم ضراباً:
أنا ابن الضاربين الهام قدما ... إذا كره المحامون الضرابا
ألم تعلم ومثلك قال حقا ... بأبي كنت أثقبها شهابا
وها هو ذا يستحث سيف الدولة على فدائه، بأنه نسيج وحده في المعالي، وفي الذود عن حمى أسرته:
متى تخلف الأيام مثلي لكم فتى ... شديداً على البأساء غير ملهد؟!
فإن تفتدوني تفتدوا لعلاكم ... فتى غير مردود اللسان ولا اليد
يطارد عن أحسابكم بلسانه ... ويضرب عنكم بالحسام المهند
ثم يستحثه بأن الإسلام لا يستغني عن حراسته:
فإن لم يكن ود قريب نعده ... ولا نسب دون الرجال قراب
فأحوط للإسلام ألا يضيعني ... ولي عنك فيه حوزة ومناب
وهو يقرع عشيرته بأنه بازلها الذي يحميها، وهو ذؤابة أشرافها وأعاليها:
تمنيتم أن تفقدوني وإنما ... تمنيتم أن تفقدوا العز أصيدا
أما أنا أعلى من تعدون همة ... وإن كنت أدنى من تعدون مولدا
وهو سيد قومه وعمدتهم:
منعت حمى قومي وسدت عشيرتي ... وقلدت أهلي من هدى القلائد
خلائق لا يوجدن في كل ماجد ... ولكنها في الماجدين الأماجد