النجار وقال انتظر قليلاً. وطلب النجار إلى أحد المارة أن يرسل فاطمة بائعة الفجل، فلما حضرت قال لها، هذا الرجل يشتري الفجل بستة جنيهات وقد بعته لك، فما رأيك هل تبيعينه إياه؟ لقد صرت صاحبته وليس لي فيه شيء وإن لم أقبض منك ثمنه بعد. فقالت المرأة بعته إياه. وتناول النجار الجنيهات الستة، فأخذ منها أربعة هي ما أتفق مع المرأة عليه ثمناً لفجله ودفع لها جنيهين. . .
وازداد في قلبي قدر هذا النجار الشيخ، وظللت لحظة أقلب نظري في محياه الأبلج السمح وهو منكب على أدوات الزراع يصلحها في نشاط وهمة؛ وانصرفت وأنا أدير في رأسي قصة القمح وقصة الفجل، أو قصة الشيخ الذي تعلم ويأكل الربا أضعافاً مضاعفة، وقصة النجار الذي لم يعرف غير أدوات نجارته ويتصدق بعمله على الزراع في رمضان ويأبى أن يكون وقد أربى على السبعين كلاً على إنسان.
الخفيف
(أدب العروبة في الميزان)
للأستاذ علي متولي صلاح
ما حق الأدب على الدولة؟ وما ينبغي أن تقوم الدولة به للأدب من نصر ومعونة وتأييد؟ ذلك هو السؤال الذي نبدأ به كلامنا عن (أدب العروبة) الذي أخرجته للناس جماعة (أدباء العروبة) التي تنعقد رياستها للوزير الأديب الشاعر الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا.
نحسب أنه قد مضى الزمن الذي كان الأدب فيه في نظر البعض نافلة لا ضرورة إليها، وترفاً لا تدعو إليه حاجة، وأبهة وبلهنية يزجي بهما الفراغ!
نعم، عرفت الدول وعرف الناس أن الأدب لسان الكون وتعبيره، وترجمانه وتفسيره، وأن الناس شعروا قبل أن يتكلموا، وتغنوا قبل أن ينطقوا!
وعرفت الدول وعرف الناس أن الحياة لن تكون - إن هي خلت من الأدب - إلا بيداء مجهل، وصحراء لافحة، وجحيماً لا ظل فيه ولا ماء!
عرفت الدول وعرف الناس ذلك وصار الكلام فيه معاداً مكرراً فهل أدت الدولة ما لهذا الأدب من حق؟ وهل قامت بما ينبغي له من واجب؟