وأخيراً خطري لي محمدة جليلة للحر القائظ، والبرد القارس وقلت إن هذه المحمدة تفوق كل ما كان للحر والبرد من سوء ولولاها لما تقدمت الإنسانية، ولما رقى النوع البشري هذا الرقي، ولظل هائماً على وجهه كالوحوش، ذلك أن الشمس بنارها اللافحة، والحر بشدته اللاذعة، والبرد بحدُته القاسية، وأمطار المنهمرة، وببرَده وثلوجه، والطبيعة العنيفة - بعواصفها ورياحها - كل ذلك هو الذي ألجأ الإنسان قديماً إلى أن يبحث له عن ملجأ يأوى إليه من الحر والبرد، فسكن الكهوف نشأته الأولى وظل يرتقي في ضروب من الارتقاء حتى أسس البيت، وأسس الاسرة، وكونت الأسر القبائل والمدن وكونت هذه القبائل الأمم، ثم تعاونت الأمم على ترقية النوع الإنساني فلولا الحر والبرد ما أظن أن قد كان بيت، ولولا البيت ما كانت أسرة، ولولا الأسر ما كانت أمم - أليس الحر والبرد إذن كانا أفعل في ترقية النوع الإنساني من كل مظاهر الحياة وظواهر الكون؟ فإذا قلنا إن تقدم النوع البشري مدين في تقدمه لرداءة الجو، وشدة الحر والبرد، لم نُبْعِد.
خطر لي كل هذا حينما حاولت أن أكتب في الحر فبدأ الضجر يقل، والألم يحتمل، والنفس تهدأ، والعاصفة تسكن والاحتمال يقوى - فهل هذا مستمر؟ سأجرب.
على كل حال قد هزئت بالحر ونسيته - ولو إلى حين - بكتابة مقال فيه.