للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحوالهم في حياتهم حتى يمكن الباحث أن يصنع من هذه الدراسة (صنجة) يزن بها كل ما يصادفه في طريق البحث من رأي أو مذهب أو رواية ثم أن هذه (الصنجة) قد حررت الميزان في كثير إلا أنها لم تنفع في بعض الأحايين؛ فإن المؤلف درس أخلاق عثمان الشخصية، واتخذ منها أساساً يبني عليه حياته العامة، فكان متجهه دائماً تبرير أعمال عثمان، والتماس الصواب ولو كان بعيداً. وهذا وإن أرضانا كمسلمين فإنه لا يرضينا كباحثين متطلبين لوجه الحق في أحداث التاريخ. وإنه ليسر كل مسلم أن لا يجد مطعناً في أعمال صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كيف وليس أحد معصوماً إلا الأنبياء، على إن الباحث حين يصل به البحث إلى أن يأخذ على عثمان شيئاً لا يكون بذلك قد أغضب العقيدة الصحيحة، ولا يكون إسلامه مدخولاً) وإن له في ابن عمر رضي الله عنه لأسرة حين سئل عن فرار عثمان يوم أحد فأجاب (أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له) وهذا المذهب الذي ذهبه الأستاذ في التأليف جعله يبرر أعمالاً لا يطمئن النصف إلى تبريرها، فأي وجه للصواب في موقف عثمان من جهجاه الغفاري الذي يقول الأستاذ في تبريره) ولين عثمان وحلمه أطمعا جهجاها الغفاري في أن يأخذ من يد عثمان وهو على المنبر عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب بها فيكسرها)؟ وهل تساس الجماهير بمثل هذا الحلم؟ أن قائلاً لو قال: كان هذا منتهى الضعف فن عثمان رضي الله عنه، وكان بعيداً كل البعد عن سداد السياسة الرشيدة الحازمة، لو قال ذلك لم يبعد عن وجه الحق. كما أن المؤلف أطال الدفاع عن عثمان في إيثاره أقاربه، واختصاصهم بعطفه وبره دون أهل السابقة من الإسلام، ولكنه مع ذلك لم يقرطس الهدف، ولم يبلغ الغاية. ولا يزال هذا الأمر يحيك في النفس وقد أعجبني من المؤلف أنه قدم بين يدي القول فيما كان بين علي وعثمان اعتذاراً عن معالجة هذا الموضوع، والأخذ فيه (هذا الفصل لم يكن القلم فيه بليل الريق، طيع المقادة، ولكنه كان وقافاً، كثير التلفت، كثير الحذر، وأنا أشهد الحق أني عذرت قلبي، وعذرت نفسي، فإن عذرني الناس فنعما هي، وإن أبوا فما أحب أن أرضيهم بسخط الله تعالى وسخط البحث، وإن من حق البحث على الباحث أن يترفق به في المضايق، وأن ينشد معه في الخطو عند المزالق، وأن يتثبت عند اشتجار الآراء، واختلاف المذاهب، وتضارب الروايات)

<<  <  ج:
ص:  >  >>