اليأس يتسرب إلى قلبه وكان دائماً يردد في ثقة المؤمن، وإيمان الواثق قول الله تعالى (ولا تيئسوا من روح الله فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) وكان يحس في ترديدها برد الراحة واطمئنان القلب، وهدوء البال، وينسى ما يلاحقه من فشل ثم يبدأ جهاداً جديداً، وهو أتم ما يكون يقيناً أن الله سيجعل بعد عسر يسراً.
ولما طرق كل المناطق في جزيرة العرب، وانسدت في وجهه كل أبواب الرزق، شخص إلى الشام ليجرب حظه هناك، ولينتظر قضاء الله فيه. . . ولكن الدنيا وانته في (سوريا) وتحول فيها مجرى حياته، فقد كان يؤدي صلاة الظهر في أحد مساجد دمشق فلما قضيت الصلاة، وانتشر الناس في الأرض، ولم يبق في المسجد إلا أفراد معدودون، انزوى في ركن من أركانه بجوار أحد الأعمدة، وغرق في بحر من التأمل والتفكير، فاسترعى نظره إلى رجل إلى جواره، مهيب الطلعة، طلق المحيا، جسيم وسيم، فانتقل إلى جواره، وبعد أن حياه قال له:
- من أي بلاد الله أنت أيها الشيخ؟ فليس على وجهك طابع هذه البلاد؟. فقال له إدريس:
- إني من بلاد الحجاز يا سيدي، وقد صدقت فراستك.
- ولماذا نزحت إلى هنا؟
- لأبحث لي عن عمل أرتزق به
- أتجيد القراءة والكتابة؟
- ما أنا بقارئ ولا كاتب.
- وماذا تمتهن إذن؟
- إني ماهر في تربية الخيول وركوبها، وحاذق في الرماية وإصابة الهدف.
- عجيب جداً! كيف تكون كما تقول ولا تجد لك عملاً؟
- هي إرادة الله يا سيدي، وليس هذا عملاً مربحاً عندنا، وعلى المسلم أن يرضى بما قسم الله له، وأن يكد ويسعى في طلب العيش من وجه حلال، وما وراء ذلك فالأمر موكول فيه لله عز وجل.
- اسمع يا أخي!. . إنني غريب عن هذه الأوطان، وقد جئت هنا للتجارة، وسأرجع إلى (الأندلس) وطني ومسقط رأسي بعد أيام قلائل، وسأكون سعيداً إذا رافقتني إلى بلادي