- قد سمعتك تقول آنفاً إنك فارس مبدع، وراشق ماهر. سيكون هذا عملك، لأني سأنيط بك حراستي في حلي وترحالي.
- ستجدني أن شاء الله صابراً، ولا أعصي لك أمرا.
- ذلك ما كنا نبغي.
ولم تمض إلا أيام تعد على أصابع اليد حتى كان إدريس يرافق القافلة الصغيرة إلى بلاد الأندلس، ويقضي النهار في حث الإبل على مواصلة السير. . . فإذا ما جن الليل. . . وادلهمت جوانب الكون، حطوا رحالهم، ونصبوا خيامهم، وامتشق إدريس ورفاقه سيوفهم، وقضوا الوقت في حراسة المتاع، والحفاظ على التاجر.
وبعد رحلة شاقة، وسفر، بلغت القافلة مرفأ على الشاطئ الإفريقي المواجه لبلاد الأندلس، اعتاد التاجر أن ينتقل منه إلى الشاطئ الآخر، وكان إدريس - طوال هذه الرحلة - مثالاً للرفيق المخلص، والحارس الأمين، دائب السهر على خدمة سيده، مجسدا في تهيئة الراحة له، حتى انتزع إعجابه ومحبته، ونال رضاه وتقديره، ولقد كان للبيئة الإسلامية التي تربى إدريس فيها كبير الفضل في غرس الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة في نفسه، فنشأ مخلصاً أميناً، وفياً كريماً، فانطوت القلوب على محبته، وامتلأت النفوس له احتراماً.
ولقد تهيأت الفرصة التي تجلى فيها إدريس على حقيقته، وطبعت في قلب سيده حبه في أعنف مظاهره؛ فقد حطت القافلة الرحال على نصف ميل من المرفأ في ليلة اعتكر ظلامها، وخبا نجمها، وجعلت خيمة التاجر في الوسط، وأحاطتها بسائر الخيام وكان عليها أن تعسكر في هذا المكان أسبوعاً كاملاً إلى أن تعود السفينة التي تتنقل بالمسافرين من شاطئ إلى آخر، وكان التاجر قد طال غيابه عن أهله ووطنه، فحمل في عودته كثيراً من التحف النادرة، والهدايا الثمينة، والأواني الذهبية، ليتحف بها ذويه وعشيرته الذين برح به الشوق إليهم، وكانوا جميعاً يقضون النهار في الراحة ورعي الدواب، ويقضون الليل في السهر والحراسة.
وإنهم لفي أصيل يوم من الأيام يتأهبون لعملهم الليلي إذ لاح لهم عن بعد نقطة سوداء، فوق