خولهم أن يفسروا كل ظاهرة من ظواهر الوجود بالقوانين المادية
فإن أسرار الذرة قد صنعت نقيض ذلك على خط مستقيم، وقد عمدت إلى الحتمية للأسباب المادية - أو القوانين المادية - فعصفت بها عصفاً لم يستقر لها من بعده قرار.
وليس هذا الكلام مستمداً من مذاهب الفلاسفة أو مذاهب رجال الدين أو فروض الأدباء والهواة في المسائل العلمية، ولكنه مستمد من مباحث أقطاب العلم الطبيعي الذين أسسوا قواعد البحث في الطاقة الذرية وفي تركيب المادة وقوانين الإشعاع.
فالعالم الكبير ماكس بلانك صاحب نظرية الكوانتم التي بنيت عليها المباحث الذرية، وصاحب جائزة نوبل للعلوم الطبيعية في سنة ١٩١٨ يقرر أن حركات الكهارب لا يسيطر عليها قانون معروف، وأنك لا تستطيع أن تتنبأ عن اتجاه الحركة التالية لكهرب من الكهارب حول النواة، وهذا هو عنصر المادة الأصيل يغلب فيه القول بالمشيئة على القول بالحتمية المادية. فكيف يمكن أن يقال مع هذا أن كشوف الذرة قد أبطلت القول بالإرادة الإلهية ووضعت سر الكون كله في أيدي العلماء؟
إنها لم تضع سر الذرة نفسها في أيديهم وهي أصغر ما في الكون من مادة؟ فكيف تضع في أيديهم سر الكون كله وتنفي منه فرض المشيئة الإلهية التي تسيطر على كل (حتمية مادية) كان يدين بها العلماء قبل الآن؟
والعالم الكبير هيزنبرج متمم بحوث بلانك وصاحب جائزة نوبل للعلوم الطبيعية عن سنة ١٩٣٢ يعلن نقض (الحتمية المادية) ويقرر أن التجارب الطبيعية لا تتشابه في النتيجة وإن اتفقت الأدوات واتفقت المواد واتفق المجربون. فكيف يقال إن (دور) المشيئة قد بطل كل البطلان ولم يبق للكون من أسباب غير ما يزعمونه من النواميس؟
والعالم الكبير إدنجتون من أكبر الباحثين في الكهرباء والطبيعيات يعقب على هذا فيقول (إنني لا أحسب أن هناك انقساماً ذا بال في الرأي من حيث تداعي الأخذ بمذهب الحتمية المادية. فإن كان هناك انقسام فهو الانقسام بين الآسفين لتداعيه والمغتبطين بتداعيه. والآسفون بطبيعة الحال يرجون له عودة ولا يستحيل أن يعود. ولكنني لا أرى سبباً لتوقع عودته في أي شكل وفي أي صورة).
وهؤلاء جميعاً علماء طبيعيون، وهم جميعاً مختصون بالموضوع الذي يحكمون فيه وهو