أعيش لأرى الجزائر وقد خلعت استعبادها وأسمع أناشيد الأمير من مقصورته اليائية ترتل في مدارس القطر الشهيد:
ونحن لنا دين ودنيا تجمعا ... ولا فخر إلا ما لنا يرفع اللوا
وإنا سقينا البيض في كل معرك ... دماء العدى والسمر أسعرت الجوى
أريد أن أشرح معاركه وأكتبها ليقرأها أبناء مصر العربية ويروا آيات المجد والبطولة ولكن الزمن يسير بخطوات سريعة، وأريد أن أحدثهم عن يوم تجمعت فيه أحكام القدر فألقى البطل سلاحه واستأمن للخصم على أن يذهب للإسكندرية فحنثت فرنسا بأيمانها ومواثيقها وعهودها وقادته أسيراً إلى فرنسا حيث أمضى مع والدته العجوز وأهله خمس سنوات في الأسر يحن فيها إلى البلاد التي أراد دفع الشر عنها، ثم أطلق سراحه فإذا طريقه إلى دار الخلافة حيث يلقى السلطان عبد المجيد العثماني، وبعد إقامة يسيرة في بروسة، يذهب إلى دمشق، وهناك يعيش حتى يرقد رقدته ليترحم عليه محبوه. أما أنا فقد قرأت حين وقفت على ضريحه قوله تعالى:(وكأين من نبي قاتل معه ربيّون كثير، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا، وما استكانوا، والله يحب الصابرين). آل عمران
ذلك لإيماني أن أمة تنجب عبد القادر لن تموت بل ستبعث بعثاً يهز الأرجاء؛ لأن الدرس الذي ألقاه علينا كان درساً يحرك النفوس ويدفع للعمل لقرون قادمة: إنه قوة من قوى الذات الإلهية التي بعثها لخير الناس، ولما خطه تعالى في سجل القدر من أن تحيى الأمة الجزائرية لتعود إلى أيامها الأول، أيام المرابطين والموحدين.