داخل بلاده لا يقلون خطراً عن أعداء الوطن، فتقبل بالرضا حكم الأقدار وقاد بلاده هذه السنين وهو واثق من نفسه لا معين ولا حليف له ولا أمل لديه إلا همة السيوف التي خرجت من أغمادها ووقفت معه.
نعم في وسط المكائد والهزائم والدعوة إلى الهزيمة تعلو قوة عبد القادر فتخلق من الهزيمة قوة وتدعو إلى الله وتعمل على جمع الشمل فيقود الأمة الجزائرية إلى كفاح طويل إلى المجد.
ذلكم هو بطل الاستقلال الجزائري وأول مسلم تلقى بصدره حلقات الهجوم المضاد الذي شنه الغرب علينا لانتزاع أراضينا.
حينما أكتب عنه أستعيد ذكرى حادثين أثرا في حياتي، أما الأول فصورة زيتية للأمير عبد القادر رأيتها في السوق الخيرية التي أقيمت بحديقة الأزبكية لنصرة المجاهدين من أهل طرابلس لما اعتدت إيطاليا على أراضيهم، رأيته على جواده وقذائف المدافع تنفجر من حوله فوقفت مأخوذاً وكنت في العاشرة فإذا بصاحب المؤيد المرحوم الشيخ علي يوسف يحدثنا عن بطل الجزائر؛ ومن ذلك اليوم انطبعت في نفسي صورة القائد الزعيم وحرصت أن أقرأ عنه وأتعرف إلى معاركه وأيامه.
أما الحادث الثاني فيوم وقفت على قبره تحت قبة سيدي محي الدين بن عربي بمدينة دمشق، لقد كان الشوق إلى زيارة الضريحين شديداً طوال سفري من أنقرة، ولما تم اللقاء وقفت أمام هذا القبر استمطر الرحمة على بطل الاستقلال. ومرت أمامي صفحات الجهاد وأسماء البلاد: الجزائر، وهران، قستنطينة، تلمسان، المعسكر، مستغانم، البليدة، مليانة، وذكريات المعارك الخالدة في رأس العين وخنق النطاح ووادي الزيتون وغيرها من مواقفه.
وفي باريس صورتان كبيرتان تمثلان عراك الأمير وجنود فرنسا تقتحم الصفوف أعرفهما: قيل أن الأمير وقف أمامهما عند زيارته للعاصمة الفرنسية وقال أراكم تمثلون جنودنا منهزمة، فهلا نظرتم ورسمتم المعارك الكبيرة التي ولى فيها جنودكم الأدبار؟
وفي قصر العجزة حيث متحف الجيش الفرنسي نجد الآثار والأعلام والأسلحة من بقايا حروب عبد القادر لقد كنت ألمسها ثم أقبل يدي التي لمستها وأنحني أمامها وأقول هل