للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبائع على واحدة) لقرأنا لكم عن قومكم ما لا يبقي ولا يذر! وختمتم بحثكم بكلام عام عن (تشتت أخلاقنا) وضربتم مثلاً عليه تعدد النزعات السياسية بيننا.

أما استشهادكم بالأقوال التاريخية فلا أود أن أتعرض له بأكثر من كلمة: ذلك أن كلام القادة والولاة والمؤرخين الذين نقلتم عنهم إما أن يكون وصفاً واقعياً وفي هذه الحالة يكون منطبقاً على عصر القائل وليس شرطاً أن يكون الخلق الموصوف باقياً حتى العصر الحاضر، وإما أن يكون الوصف ذاتياً أي أنه وصف للصورة التي كونتها في نفس القائل تجاربه الشخصية والتي حملته على أن يستخلص حكماً عاماً من حوادث خاصة وفي هذه الحالة لا يصح الاستشهاد به.

أما نسبتكم طاعة أهل الشام إلى اعتدال مناخهم، ورقة طباعهم إلى جمال بلادهم فإنه يحوي في طياته جزءاً من الحقيقة لا كلها. ذلك أن الطبيعة يا سيدي - وسيد العارفين - ما هي إلا عامل واحد من العوامل التي تؤثر في طباع الناس. ومعاذ الله أن أتعدى على علمكم وفضلكم فأروح أعدد تلك العوامل أو أشير إلى علماء الاجتماع وكتبهم؛ ولا أسمح لنفسي إلا بأن أذكركم - بكل تواضع - بأن الأحداث الخطيرة التي تتعرض لها الأمة ذات أثر قوي في تكوين طباع أفرادها، وهو أثر لا يقل عن أثر الطبيعة نفسها لا بل قد يفوقه. ومن هذه الأحداث الحروب والكوارث الوطنية والحكم الأجنبي والأزمات الاقتصادية الخ. ولعلكم تعترفون كذلك بأن الثقافة وانتشار التعليم من العوامل الرئيسية. وعلى هذا فإن طبيعتنا الحلوة إن ولدت في أمزجتنا اعتدالاً وفي شمائلنا رقة فإن تلك الأحداث قد أوجدت فينا إلى جانبها قوة الشكيمة وصلابة العود وإن انتشار التعليم قد خلق فينا وعياً وقدرة على التمييز.

وليس مثلكم من يحتاج أن تضرب له الأمثال عن صلابة عود أهل الشام وأنتم في طليعة موكب الكفاح والوطنية. ولا أحب أن أحيلكم على كتّاب من أبناء فرنسة سجلوا لنا الفخار واعترفوا لنا بقوة العزيمة. بل أدعوكم إلى رحلة زمنية ومكانية نبدأ فيها بالخيال الفكري الذي ولد ثورة العرب على العثمانيين والذي كان من أقطابه أبناء الشام البررة الذين أدوا ضريبة الدم على مشانق (جمال باشا السفاح). ثم نسير في ركاب (فيصل) من الحجاز إلى الشام لتشاهدوا الشاميين في عداد أعوانه وجنوده. ونستقر بعد ذلك في ربوع الشام نفسها

<<  <  ج:
ص:  >  >>