للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حيث قام مُلك عزيز قوي عند العرب عليه آمالهم. وما كان لينهار لو لم تتآمر الدول المعظمة عليه. ولعلكم لم تنسوا (ميسلون) وروابيها المخضبة بدماء الأبطال وأنتم تمرون بها في طريقكم إلى مصيفكم الهادئ في (بلودان) وننتقل بعد ذلك في (حلب) وجوارها أيام الزعيم (هنانو) وفي (دمشق) و (الغوطة) و (جبل الدروز) ونحيي معاً التربة التي قدستها أرواح شهدائنا. ثم نتجول في شوارع مدننا وأزقة قرانا، في سهولنا الخصبة وجبالنا الخضراء ونستمع إلى قصص البطولة والمجد المسطرة على كل حجر وفي كل شبر من الأرض - سطرناها في كل يوم من أيام استعبادنا البغيضة لنسمع الملأ بأننا لا ننام على الضيم. ألا يسعدكم أن تعيشوا ثانية - في الخيال - تلك الأيام الخمسين التي أضربت فيها البلاد من أقصاها إلى أقصاها حتى أذلت الشامخ وأنزلته من عليائه ليمد لها يد الصداقة. ألا يثلج قلبكم أن ترتقوا ثانية - في الذهن - منبر الجامعة السورية لتؤبنوا (هنانو) بمرثية دكت عرش الغاشم وأذنابه؟ وهل تسمون الإعراض عن مغريات المستعمر في ذلك الإضراب المخيف أو استجابة الشعب لصرختكم المدوية طاعة ووداعة؟ وتلك السجون التي ملأت فيما مضى بأحرارنا، وهذه القلاع الحصينة المشرفة على عاصمتنا وسائر مدننا، هل أقامتها فرنسة خوفاً من طاعتنا ووداعتنا؟ وهذه المخازي الجنونية التي تركت لنا فرنسة أثرها الوحشي في دار (البرلمان) وفي غيرها من دورنا العامة والخاصة هل تعدونها وثيقة اعتراف منها بأننا كنا طائعين ووادعين؟ وذلك الجلاء الذي تم وهذا الاستقلال الذي ننعم به وهذه المكانة الدولية المرموقة التي باتت فخراً للعرب كافة هل هذا كله من صنع الطاعة والوداعة؟

كلا يا سيدي! لقد خانتكم الذاكرة وما أسعفكم التعبير، ثم أخطأتم في الحساب فما كانت ثورة واحدة بل ثورات. . .

لا أخالكم تنكرون ذلك، وأغلب ظني أنكم تأخذون على أهل الشام طاعتهم لحكامهم بعد الاستقلال لا قبله وأنكم ترون هؤلاء الحكام (على مقدار من الجهل وكره العلم لا بأس به وحصروا مرافق الدولة في حزبهم وأصحابهم وحبسوا وظائفها على صنائعهم وعبثوا بالقانون وبددوا بيت المال). إن كان هذا قصدكم وإن صح أن هؤلاء الحكام كما ذكرتم أفما أقنعتكم الحوادث أن الشعب لم يقف منهم موقف الطاعة والوداعة؟ لقد رفض الشعب اتفاق

<<  <  ج:
ص:  >  >>