للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللفظة، فأمسك بسيفه وأجهز على ثلاثة منهم في طرفة عين، فلاذ الباقون بالفرار. . .

ولما لم ير إدريس سيده ولم يسمع له صوتاً، انتقل إلى خيمته الخاصة فوجده ملقى على وجهه في أحد الأركان. وبجواره واحد من المتمردين والسيف في يده، فقال له ذلك المتمرد حين رآه بعد أن ركل التاجر برجله:

- ماذا يجب أن نعمل يا إدريس لنتخلص من هذا التعس؟

تأثر إدريس من الحالة التي وصل إليها سيده، ومن الخيانة التي بدرت من أتباعه ومن هذه الوحشية والقسوة التي عاملوه بها؛ إنهم قد شدوا وثاقه، وأحكموا قيده، وطرحوه أرضاً، وشهروا عليه سيوفهم. . . إن إدريس مسلم، ودينه لا يبيح له أن يتخلى عن أداء واجبه وإن عرض عليه نصف المتاع ثمناً لتخليه.

حقاً إنه وحده في هذا المكان أمام زملائه الذين سولت لهم أنفسهم أن يتألبوا على ولي نعمتهم.

وحقاً إن سكوته سيجعل منه بعد ساعات معدودات غنياً كبيراً، وثرياً عظيماً، وليس بالهين عليه أن ينقذ سيده، كما أنه ليس بالهين عليه أن يقف مكتوف اليدين لا يعمل عملاً. . .

إن ضمير المسلم يهيب به أن يعمل على إنقاذ سيده وأن يرعى حقه عليه، وأن يكون وفياً له، أميناً مخلصاً، وأن يربأ بنفسه، وينأى بدينه عن أن يتسفل إلى هذا الدرك من الانحطاط الخلقي. وهذا ما كان من إدريس فقد وثب على الخادم الذي يحرس التاجر وثبة النمر، وجرده من سيفه ثم أطاح برأسه، وبسرعة البرق حل قيود سيده، وعاونه على النهوض.

أما بقية الأتباع فقد كانوا في شغل عن ذلك كله بحزم الأمتعة في الخيام الأخرى. ففاجأهم إدريس وصرخ فيهم صرخة قوية نبهتهم إلى الخطر الداهم، فلما هموا بالقضاء عليه رأوا بجانبه سيدهم وبيده سيفه البتار، فغشيهم من الهم ما الله به عليم. وقبل أن يثوب إليهم رشدهم، أعمل إدريس وسيده فيهم سيفيهما فسقط اثنان منهم يتخبطان في دمائهما. فلما رأى الباقون ذلك ولوا مدبرين. وتركوا كل شيء على ما كان عليه.

في الصباح الباكر لاح في وسط البحر على مد البصر، مركب القراصنة يمعن في الهرب، وهو مشحون بما سرقوه من أموال ومتاع. وكانت جثث القتلى والجرحى متناثرة حول الخيام في منظر رهيب ترتجف لهوله القلوب، ولم ينج من التجار سوى سيد إدريس، فقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>