للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجاه عريض. ولقد شكر لله هذه النعمة العريضة، فكان ينفق بسخاء على المعوزين وذوي الفاقة، وكان يحج كل عام إلى بيت الله الحرام، ويهدي لأهل الحرمين الشريفين، ويتنازل لهم عن كثير من الأموال. وقد رزقه الله في الخامسة والأربعين من عمره طفلاً جميل الصورة، لطيف التكوين، ورث عنه صفاء العقيدة، وحدة الذهن، ونقاوة الضمير، فاهتم بتربيته وتنشئته على الأخلاق الإسلامية الحميدة، وعلمه ركوب الخيل والرماية، فشب نبيل الطباع، نادر المروءة، كريماً سخياً. فلما استوى عوده، واشتد ساعده، أضحى مضرب المثل في الفروسية وركوب الخيل. وكان أبوه إدريس قد بلغ من الكبر عتياً، فعلق على ابنه كل أمل له في الحياة، واتخذ منه دعامة قوية، وعدة صالحة للمستقبل.

ولقد نال إسحاق في سنتين متعاقبتين جائزة البطولة الذهبية في المباراة الكبرى، وتردد اسمه في هذه السنة على كل لسان، وتساءل الناس متشككين: أيحوز قصب السبق مرة ثالثة وقد احتشد له كبار الرماة من المسيحيين الذين برعوا في ركوب الخيل وقد هرعوا لنزاله من مناطق شاسعة البعد؟

حل اليوم الذي تختم به المباراة الكبرى، وتخفق فيه قلوب المتنافسين رغبة في الفوز، ورهبة من الفشل، وبدأ الناس يفدون إلى الساحة مبكرين، وقد أخذوا زينتهم، ولبسوا أبهى حللهم؛ وكانت السيدات يتباهين بجمال زينتهن وحسن هندامهن وهن في الطريق إلى مقصوراتهن الخاصة بعيدات عن الرجال، وكان للنساء الأندلسيات ولع بشهود المباريات ولا يشتركن في اللعب. وكان للخليفة كبار الحاشية مقصورات خاصة بهم في أبنية الملعب.

ولما دقت الساعة العاشرة، وكانت الساحة غاصة بالرجال والنساء والأطفال يستمعون لأنغام الموسيقى، ركب المتبارون جيادهم وأخذوا يقطعون الساحة ذهوباً جيئة، وهم يتيهون في ملابسهم الوطنية الزاهية ويتأهبون لاستقبال الخليفة وبدء المباراة. وما هي إلا دقائق معدودة، حتى قرعت الطبول إيذاناً بقدوم الخليفة، فاشرأبت الأعناق، وشاهد الحاضرون كتيبة من الفرسان تتقدم الموكب، وكلهم من زهرة الشباب العربي المسلم، ترقص الخيل تحتهم، وتلمع السيوف في أيديهم، ثم وليها الرجالة وهم من خيرة رجال الحرب، يحملون الأعلام الوطنية الإسلامية، وعلى صدورهم الأنواط التي فازوا بها في المعارك التي خاضوا غمارها وخرجوا منها ظافرين. ثم لاح الخليفة يحيط به الأمراء وكبار رجال الحكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>