للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمسيحيون والمسلمون يؤمون تلك الساحة من كل فج في نشوة الفرح وغمرة السرور.

وكان العلم الإسلامي الوطني يخفق في قمة البناء، ينشر العدل والإخاء، ويدعو إلى التسامح والمساواة، وكانت المباريات الرياضية والمهرجانات الشعبية في المناسبات الدينية، والأعياد الوطنية، وكان أعظم تلك المباريات المباراة التي تقام في أيام عيد الفطر من كل سنة، فقد كان يتقدمها عرض عسكري عام، تتبعه حركات رياضية ماهرة، وكان نبلاء المسلمين وأمراؤهم يدعون إليها كبار المسيحيين وعيونهم ليشتركوا في الرماية وسباق الخيل.

وكانت الوفود تتوالى على المدينة من أقاصي البلاد وأدانيها لشهود المهرجانات، فيقابلهم السكان بالحفاوة والترحيب ويفتحون لهم صدورهم وبيوتهم، ويقيمون لهم الولائم الفخمة والحفلات العظيمة، وكانت الحكومة تعد بيوتاً لمن لم يجدوا لهم مأوى. توفر لهم فيها أسباب الراحة، وتهيئ لهم فيها طيب الإقامة.

وفي إحدى السنوات كان شهر رمضان يقترب من النهاية، حين أخذت المدينة زخرفها وأزينت، وشرع السكان يتأهبون لاستقبال الوافدين عليهم من أعالي البلاد وأسافلها لحضور المباراة الكبرى، وكانت عادتهم قد جرت بأن الغرباء عن المدينة يكتبون إلى أصدقائهم فيها أنهم سينزلون ضيوفاً عليهم مدة المهرجان ليعدوا لهم أماكن لإقامتهم، وكانت برامج المهرجان تذاع بين السكان قبل إقامته بأيام معدودات، وبينها أسماء المشتركين في المباريات الرياضية، وركوب الخيل، واللعب بالسيف والرمح، وإصابة الأهداف بالسهام. لم يبق على العيد إلا يوم وبعض يوم، وليس لأهل المدينة حديث إلا حديث المباراة، ومن اشترك فيها من المسلمين والمسيحيين الذين استعدوا لنزال إسحاق بم إدريس، ذلك الشاب العربي المسلم الذي توالى انتصاره في عامين متتابعين.

إن القارئ ليذكر أن إدريس بن أحمد قد أصبح أقرب المقربين إلى ذلك التاجر الأندلسي الذي التحق بخدمته في سوريا ورافقه إلى بلاده، وخلصه في الطريق إليها من براثن موت محقق، ولقد نعم إدريس بجواره بضع سنوات كان فيها موطن سره، وموضع إعزازه وإكباره، فلما وافته منيته ولم يكن قد أعقب ذرية تؤول إليها ثروته الطائلة أوصى بها لمنقذ حياته إدريس وفاء لحقه واعترافاً بفضله، فأصبح إدريس منذ ذلك التاريخ صاحب غنى

<<  <  ج:
ص:  >  >>