أن يحتاج إلى إيضاح لمن أراد الحق والتمسه وحرص على التثبت منه، ولست أظن أن أحداً من مندوبي أمم مجلس الأمن يخفي عليه وجه الحق الذي سمع من الرجلين. فإن كان بناء مجلس الأمن قائماً على العدل والإنصاف وإيتاء كل ذي حق حقه، فقد نالت مصر إذن حقها من غاصبها كاملاً غير منقوص ولا مشروط بشرط. وإن كان مجلس الأمن هو سوق الرقيق الحديثة التي أنشأتها الأمم الغالبة لكي تبيع خلق الله وتشتريهم على الهوى فإن مصر والسودان سوف تعلّم هذا المجلس علماً جديداً لم يكن يتوقعه من أمة ضعيفة أضعفها الاستبداد البريطاني على مدِّ خمس وستين سنة - لأنها أمة قوية قد علمها هذا الاستبداد أن الحقوق تنال بالجهاد المر، وبالدم المهراق، وبالإيمان الذي لا يتضعضع.
ولقد كان فيما قاله النقراشي وفيما قاله كادوجان عبر لمن أراد أن يعتبر، ونحن العرب أحوج الناس اليوم إلى الاستفادة من العبر المواضي، فإن جهاد مصر والسودان حلقة من حلقات الجهاد الذي كتب علينا منذ احتلت بلادنا بريطانيا وفرنسا وسواهما من الأمم التي استعانت على ضعفنا وغفلتنا بقوتها ويقظتها وجشعها الذي لا يشبع ولا ينطفئ.
فأول هذه العبر أنه ينبغي للمجاهدين في سبيل بلادهم أن يحذروا كل الحذر من الخوف، فإن الخوف آفة الجهاد، وما ساور الخوف قلباً إلا انتزع منه البصيرة التي هي رائد كل مجاهد. وما نفى الخوف امرؤ من قلبه إلا زلزل بجرأته قلب خصمه وجعله يضطرب بين يديه وإن كان أقوى منه بأساً وأشد صولة. وقد نفى النقراشي الخوف من قلبه، فوقف كادوجان بين يديه مضطرب الحجة حتى لم يجد لنفسه مناصاً من أن يلجأ إلى الأكاذيب القديمة التي ألفتها بريطانيا وبرعت في تزويقها وتزويرها تريد بذلك أن تسحر عقول الناس. ولو كان الساسة العرب قد حرصوا على أن يكون هذا موقفهم في كل أمر وفي كل عهد وفي كل ساعة، لما أتيح للاستعمار البريطاني والفرنسي أن يبقى ضارباً بجذوره في بلادنا إلى هذا اليوم من أيام الناس. فهذه جرأة اللسان، فعلى ساستنا منذ اليوم أن يتبعوا ذلك بجرأة أخرى هي جرأة العمل، ولو فعل الساسة أفعالهم بجرأة وشمم وإباء على الضيم، لما رأينا اليوم بلداً كمصر والسودان يعج بالمستهترين من الأجانب والمشردين وصعاليك الأمم، يستولون على أمواله وأراضيه وأخلاق بنيه باسم حرية المهاجرة وحرية التجارة وحرية العمل. لقد أظلهم الاستعمار البريطاني بظله وحماهم بحمايته حتى بات المصري والسوداني