الخبيثة التي زعمتم أنها فرضت عليكم فرضاً. ولقد كانت لكم مندوحة عن قبولها لولا الضعف والخور والجبن وشهوة الحكم التي استولت على قلوبكم.
وعبرة سادسة هي أن بريطانيا وكل دولة مستعمرة من هذه الدول الأوربية لا تتورع عن اتخاذ وسيلة تبلغ بها غايتها، فمن أجل ذلك ينبغي للشعب أن يعرف منذ الساعة الأولى رجاله ورجال عدوه، وأن يسم الخونة بسمة لا تزول، وأن يتناقل هذا التاريخ عاماً بعد عام وجيلاً بعد جيل في البيت والمسجد والمدرسة والمجالس، فهذا وحده هو الكفيل بأن يعرف الشعب حقيقة كل زعيم تسول له نفسه أن يستغل غفلة الناس أو ذعرهم أو لهفتهم فيغرر بهم في مزالق السياسة الاستعمارية، فإن مصر والسودان ظلت أعواماً تأبى أن تعترف باتفاقية سنة ١٨٩٩ التي فرضتها بريطانيا على مصر والسودان على يد رئيس وزراء كان خليقاً أن يخون بلاده، ثم جاء الموقعون على معاهدة سنة ١٩٣٦ فقبلوا أن يكون لهذه الاتفاقية الباطلة التي لم تعترف بها مصر قط - ذكر في معاهدتهم الوبيلة الخبيثة. فلو كان الشعب يومئذ على ما ذكر لما كان من شئون الخونة السابقين وما فعلوه، لما جازت عليه الكلمة الملعونة في معاهدة سنة ١٩٣٦، ولثار يومئذ على هؤلاء الزعماء لأنهم أهدوا كل جهاده الماضي، وكل ما أراق من دماء وأضاع من جهود، وأنفق من سنين بنص موبوء في ماعاهدة موبوءة.
ولن نفرغ من ذكر العبر الكثيرة التي توحي بها هذه الساعات في المعركة الفاصلة بيننا وبين بريطانيا في مجلس الأمن وفي كل عبرة من هذه العبر خير كثير يرجى أن لا يفوت العرب إذا حذروا وانتبهوا وآثروا السلامة مما وقعنا نحن فيه. ومن حسن الحظ أن أكثر زعماء العرب اليوم من مراكش وتونس والجزائر وليبية وفلسطين والعراق هم اليوم أشد إحساساً من أسلافهم بالتبعة الملقاة على كواهلهم، وأقوى إيماناً بالحقوق الإنسانية من بعض زعمائنا في الماضي، ولكن ينبغي لهم أن يجتنبوا كل الاجتناب أن يقبلوا مفاوضة الغاصبين أو معاهدتهم أو الدخول معهم في حديث السياسة والكياسة واللباقة، فإن هذا وإن أفاد قليلاً، فإنه شر مستطير على مستقبل الشعب في الشئون السياسية، وفي النواحي الأخلاقية وحسب هؤلاء الزعماء العرب ما جربته مصر من مطاولتها والمد لها أكثر من تسع وعشرين سنة باسم المفاوضات والمعاهدات، حتى فقد الشعب كثيراً من إيمانه بحقوقه،