أزال أنتقل به خطوة بعد خطوة حتى يرى في فنون المعرفة وحدها ممتعة وتسلية، لا يعدلها شيء من فنون المتع وضروب التسلية. ولم أقصر في تحبيب الفصحى إليه وتعويده النطق بالصحيح من الألفاظ، وتدريبه على الأخذ بالصحيح من الآراء، فإن الخطأ اللفظي كالخطأ المعنوي إذا انطبع أحدهما أو كلاهما في ذهن الطفل منذ القراءة الأولى صعب اقتلاعه، في قابل أيامه. ولا معدي لنا عن ترغيبه - بكل ما نملك من الوسائل - في الأسلوب الرائع والمثل الصالح جميعاً. فلا نتسمح قط في عبارة واحدة تقلل من شأن لغته، أو تصغر من جلال القيم الأخلاقية.
إن تحبيب الكتاب وتخير الأسلوب الصالح والفضائل في نفس الطفل، هي الأهداف الثلاثة التي ترمي إليها مكتبة الأطفال ولابد من اجتماعها لبلوغ الغاية المرجوة، كما اجتمعت هدايا الأمراء الثلاثة لشفاء الأميرة. فإذا نقص واحد منها تهدم البنيان كله، وذهبت جهودنا على غير طائل. وهذه هي الحوافز التي دفعتني إلى تأليفها.
وقد سألتني بعض المجلات كيف أؤلف مكتبة الأطفال، وكيف أتدرج فيها من السهل إلى الصعب فقلت لسائلي: إن إحساس الطفولة عندي كامن مذخور، فأنا أستحضره في كل لحظة، ولدي من وسائل الاختبار والتطبيق لكل ما أكتبه في هذه الناحية أولادي وهم ذوو أسنان مختلفة وقد استطعت بفضلهم على توالي السنين أن أندرج في هذه القصص من السنة الأولى الابتدائية إلى السنة الرابعة الثانوية.
وقد كنت أروي القصة للصغير منهم - حين أؤلف لصغار الأطفال - فإذا انتهيت من روايتها سألته أن يقصها عليّ، ثم دونت ما علق بذهنه منها واسترعى انتباهه من حوادثها. فأثبته وأغفلت منها ما أغفله. ثم سألته أن يقرأها أمامي بعد كتابتها، لأتبين مدى ما ظفرت به من نجاح أو إخفاق. فإذا سألني عن معنى كلمة مما يدق عليه فهمه فسرتها له. فإذا صعب عليه التفسير، استبدلت به كلمة أخرى أسهل وأيسر، ثم أثبت التفسير الأخير الذي استقر فهمه عليه.
هذا هو المنهج الذي أخذت به نفسي في تأليف مكتبة الأطفال فإن وفقت في هذه الخطوة - وأرجو أن أكون - فقد أديت بعض ما يجب أداؤه لهذا الجيل الناشئ الذي نعلق عليه أكبر الآمال.