ولعب السيف وركوب الخيل. . . ثم تفرق الجمع شاكرين للداعي دعوته مكررين لإسحاق التهنئة، واستأذن إسحاق بدوره وأكد على الشيخ عبد الكريم ألا يتأخر عن اللحاق به. ثم ركب جواده ولوى عنانه إلى بيته.
كانت أشعة الشمس على قمم الجبال قد اصطبغت بلون الذهب وكانت الطيور تروح جماعات إلى أوكارها على رءوس الأشجار عندما كان إسحاق في طريقه إلى منزله عائداً من حفل الشيخ عبد الكريم، فما إن بلغ مقابر الخلفاء في سفح الجبل حتى ركض جواده في منعطف الطريق. ثم وثب وثبة عالية في خوف وفزع وكاد إسحاق يسقط لولا أنه فارس ماهر. . .
ولما هدأت ثائرة الجواد، وخفت حدة جموحه تلفت إسحاق حوله فرأى رجلاً منبطحاً على الأرض وبيده مقود حمار، فأيقن أن كلاً من الحمار والجواد قد ارتاع لرؤية الآخر فجأة، فشرد الحمار وجمح الفرس. ووقع الرجل على الأرض.
تقدم إسحاق إلى الرجل وهو يهم بالنهوض وقال له معتذراً:
- لا بأس عليك أيها السيد الفاضل. أرجو ألا يكون قد أصابك مكروه.
فرد عليه الرجل في كثير من العنف والجفوة فقال:
- هل كنت أعمى أيها الغبي الأحمق ولم تر أي شيء أمامك!؟. فقال له إسحاق في استعطاف ولين:
- يلوح لي أنك غريب عن هذه الديار، فهل أنت آت من بعيد؟
- وما شأنك بي أيها المغرور؟ إنه يهمني أن أقول لك: إن هذه السكرة التي غمرتكم سينمحي أثرها عما قريب، وسيعلم أولئك الحاكمون من المسلمين أن وراء الأكمة ما وراءها، وحينئذ ستفيقون من غفلتكم، ويثوب إليكم رشدكم. وتخف وطأة غروركم.
- هون عليك يا صاحبي، ولا تغضب إلى هذا الحد، وإني أكرر لك المعذرة، وأرجو أن تعتقد أن ذلك وقع رغم إرادتي فاغفر لي هذا الخطأ. . . ثم مد يده إلى جيبه وأخرج كيساً به شيء من النقود وقال له: هاك هذه النقود، لتجبر بها ما أصابك ولتتبلغ بها في سفرك.
- إنك مجنون يا هذا! فقد ظننتني من مواطنيك الأندلسيين تستهويهم فضلات المسلمين، ألا فاعلم أنني من بلاد يبصق أهلها على الذهب إذا مسته أيد مسلمة.