للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشعوب المتمدنة، وهن يتنبأن بالمستقبل ويكشفن الأوراق، ولهن براعة مدهشة في الوقوف على عواطف الرجال وغرائزهم، ويعربن في نبوءاتهم عن الأماني الخفية، والشهوات المكتومة؛ ويلجأن إلى الرسوم الرمزية، ويكتشفن ما يجول في صدور قصادهن من الرغبات والشهوات. وقد بثت الحياة الخشنة المضطربة، والعزلة الدنيوية، والحرمان المستمر، في نفوس هاته القبائل ميلاً إلى تحقيق الغاية دون عنف وبوسائل ملتوية؛ فهؤلاء النور يكذبون ببراعة، ولهم فصاحة مقنعة، ومثابرة مدهشة. ولو أردنا أن ندرس من الوجهة النفسية أساليبهم وتأثيرهم الغريب، شبه الروحي، الذي يبثونه في نفوس ذوي الغرائز المضطربة لانتهينا إلى نتائج في منتهى الأهمية. وهم الشعب الوحيد الذي استطاع أن يحتفظ في قلب أوربا، وفي قلب المجتمعات المتمدنة بالحياة البدوية التي تذكرنا بحياة الهنود الحمر في أمريكا الجنوبية أو الزنوج في التي تذكرنا بحياة الهنود الحمر في أمريكا الجنوبية أو الزنوج في أفريقية. ذلك أنهم معرضون دائماً لنزعات الطبيعة، ولهم علاقات دائمة مع قواها، فهم يحملون بذلك إلى كل ما يقرب من الحيوان والغريزة.

والنور لا يملكون شيئاً، ولذا فهم لا يحترمون الملكية؛ فإذا استطاعوا الاستيلاء على شيء استولوا عليه بأي الوسائل، وحياتهم العائلية منظمة على قاعدة الشيوع، وأن لا ملكية يعترف بها ونور (الفلاج) أظرف وأفضل خلالاً من نور الكولومبار؛ وهم يشتغلون عادة بصنع الآلات الخشبية بمهارة، ويطوفون القرى لبيعها، ويبدون في جميع الأسواق مثقلين بالسلع. ويرتدون ثياباً وأزياء غير تلك التي يرتديها زملاؤهم، ويسكنون غالباً في السهل، عند أطراف القرى، في بيوت من الطوب الأخضر، ويعنون بتربية الماشية. وفي أقاليم المجر الغربية ينشئون نوعاً من القرى المنعزلة بجوار الغابات، ويعلب أطفالهم عراة بين الأعشاب والماء. ولهاته القبائل قضاة منها يختصون بالفصل في المنازعات الصغيرة؛ ولا يعيشون عيشة العائلة إلا حيثما اكتسبوا نوعاً من الملك كقطعة أرض أو منزل قروي. ولهم ولع بالخيل واقتنائها بأي الأثمان.

وأهل القرى لا يبدون لنور (الفلاج) من البغض ما يبدونه لنور الكولومبار. وهم يعاملونهم بكبرياء واحتقار ولكن بنوع من العطف؛ ولا يخشون منهم على متاعهم وأموالهم بمثل ما يخشون من زملائهم؛ ويكثرون من التصدق عليهم، ويعهدون اليهم بصنع الأشياء الخشبية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>