للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإنسان. كان يصرح بهذا وبلاده تحت الحكم النازي وسيطرة جيش الاحتلال ودارت الأيام فإذا به يشغل مركز الحاكم الفرنسي العام: إنه ممثل الجمهورية في بلاد الجزائر وهاهو ذا قد لبس لباس الاشتراكية وجاهر بحقوق الأمم المظلومة ولكنها في نظره وفي عقيدة أمثاله من اليساريين من اشتراكيين وشيوعيين قاصرة على الأمم الأوروبية وحدها. أما شعوب الشرق وأمم الإسلام فهي في الجزائر أو شمال أفريقية وفي بخارى وأواسط آسيا سواء في تحمل الضغط والخضوع لسيطرة الاستعمار الفرنسي أو السوفيتي.

ماذا يقول حاكم الجزائر الاشتراكي! إنه يقرر في خطابه الذي ألقاه يوم ١٩ ديسمبر سنة ١٩٤٥ في المجلس المالي الجزائري (إن تضخم أرقام الميزانية راجع إلى زيادة عدد الموظفين في إدارة الأمن العام.)

أي أن حكومة الجزائر الاستعمارية الرجعية التعسفية والتي يوجد على رأسها حاكم اشتراكي، تشتري وجودها بثمن باهظ من حياة الشعب الجزائري، إذ تفرض عليه الجهل الدائم لتعيش مع جيش موظفيها، إنها تترك الأمراض تسري وسط جماعاته والمنون تأكل من أطفاله لكي تعيش هي مع جيش من الموظفين الفرنسيين يخدمون مآربها ويؤكدون سلطانها وجبروتها عليه.

وفي الوقت الذي تصرف فيه فرنسا على بوليسها وعيونها هذه الثروة الطائلة من أموال الشعب الجزائري، نجد أن ما خصصته من هذه الميزانية للصحة العامة لا يتجاوز أربعمائة وثلاثين مليوناً من الفرنكات وما أرصدته منها للتعليم أقل من ذلك بكثير.

لذلك انتشرت الأمراض بين طبقات الأمة وضج المستعمرون حينما تبين لهم أن نسبة القادرين على حمل السلاح من الجنود الوطنيين قد هبطت لأن الأحوال الصحية لم تعد تسعف الأتون الفرنسي بالآلاف المؤلفة من أبناء العرب الجزائريين لدفعها إلى جوفه في حملاته الاستعمارية وليحولها إلى أشلاء وهياكل عظمية إنه يطلب المزيد من ضحاياه.

فهذه القوة الجبارة التي تسمى الأمن العام، أداة استبدادية نجدها في تحفز دائم واستعداد قائم للانقضاض على الشعب الجزائري، إذا تحرك أو أظهر امتعاضاً إنها تمكن المستعمرين من إبعاد أمة بأسرها عن دفة الحكم وعن تولي المصالح العامة في بلادها، أي تجعل من شعب يزيد تعداده على تسعة ملايين نسمة غريباً في بلاده، طريداً في وطنه منبوذاً على الثرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>