للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي حمل سطوة آبائه وأجداده، بل تفعل أكثر من هذا إنها تقيم بينه وبين العالم سداً لا يجعله يبصر شيئاً مما وراءه لأنه تعزله عن الدنيا كما يعزل الموبوء والمجذوم كيلا يرى نور العالم. ألا فليعلم العالم أجمع أن أهل الجزائر محرومون في بلادهم من قراءة الجرائد العربية التي تأتي إليهم، وأن لدى المكاتب العامة قواعد لا تسمح لها أن تعير الوطنيين حتى الكتب الفرنسية التي تتحدث عن الحرية وآمال الشعوب.

فهل رأيتم سداً كهذا السد؟.

أما في الميدان الاقتصادي فما من شعب من شعوب الدنيا تحمل ما تحمله الشعب الجزائري منذ وضعت فرنسا قدمها في شمال أفريقيا. إنها أخذت تنهب الثروة الوطنية وتصادر أملاك الأهالي وتجعل أراضي الحكومة والدولة وخيرات الأمة وقفاً على المستعمرين الفرنسيين ومن لاذ بهم من طريدي الجنسيات الأخرى. . .

ولقد نقل صاحب كتاب تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر. أن قائد الجنود الفرنسية رتب مجلساً من رؤساء الجند لضبط الخزائن من الأموال والمهمات الحربية والذخائر فتحصل من ضبطها على ما قيل من الذهب والفضة وقيمة الجواهر ٥٢٧ و٦٨٠ و٤٨ فرنكاً من الذهب، ومن الحنطة والشعير ٣ ملايين ومن المدافع والبنادق والبارود والقنابل وغيرها مع ثمن الأملاك الأميرية ٥٠ مليوناً.

فهذه الثروة الطائلة التي وقعت غنيمة بأيديهم عند الفتح، علمتهم طريق الاستحواذ على غيرها فإذا هم من يولية ١٨٣٠ إلى ١٩٤٧ يسيرون على هذا المنوال من المصادرة والاغتصاب حتى انتهوا بأن فرضوا الفقر والفاقة والإملاق على شعب بأسره.

وهذه الثروة الطائلة قد غطت ما تكلفته الحملة الفرنسية الأولى من أعباء مالية علاوة على ضياع الديون التي كانت فرنسا مدينة بها لحكومة الجزائر الإسلامية.

أما مصادرة أملاك الوطنيين فسياسة وضعتها فرنسا وقلدتها فيها إيطاليا وإسبانيا وهي تتلخص في تحديد منطقة خصبة من الأراضي ونزع ملكيتها اغتصاباً ونقل سكانها بالقوة منها.

وقد عمدت فرنسا لأول مرة إلى هذه السياسة في أقاليم القبائل وفي جهة قستنطينة كعقاب أنزلته بالسكان الجزائريين عقب ثورة عام ١٨٧١، إذ نزعت ملكية ما مقداره خمسة ملايين

<<  <  ج:
ص:  >  >>